. كشف
الاستار ٫ ج ٦
سبحانه لا يامره إلا الحق .
قلت : ليس التوقف من الانبياء في
الولاية العلمية الاعتقادية وإلا لكفروا نعوذ بالله ، بل التوقف في الولاية
العمليه ، لان الايمان انما هو اعتقاد في الجنان، واقرار في اللسان، وعمل بالاركان
، ومثل يونس وغيره من الانبياء المناسب أن يسقطوا اعتبار انفسهم بالكلية ويفقدوها
بالمرة، فلا تكون لهم ارادة سوى ارادة الله سبحانه في كل شيء .
ومثل يونس كان فيه حدة وغضب على
قومه ، وكان غضبه الله إلا أن الذي يراد من مثله أن لا يغضب إلا ان يؤمن بالغضب ،
ولا يجد في نفسه حرج .
ويونس دعى على قومه بالهلاك ،
والله سبحانه يحب أن يرق عليهم ويصبر على اذيتهم ، فان ذلك هو مقتضى ولاية آل محمد
صلوات الله عليهم .
ألا ترى ما جرى على آل محمد، ومع
ذلك لم تصدر منهم دعوة على رعيتهم ، بل ولا على ظالميهم ، لان هذه صفة الله ،
ولهذا أمهل فرعون وغيره من الفراعنة ، فكانت هذه الولاية العملية الكاملة تكلف بها
الانبياء وتركها معصية بالنسبة اليهم ، لان حسنات الأبرار سيئات المقربين .
وتسمى عندنا هذه المعصية بمخالفة
الأولى ، فعبروا عنها بهذا اللفظ وهو قوله : «أتولى مَنْ لم أرَهُ ولم أعرفه أي لم
اعرفه بتجريد نفسي عن السبحات ، واسقط اعتبارها عن جميع الملاحظات ، فلم أكن أعرفه
بتلك المعرفة المحضة التي هي المعرفة الكاملة ، وإلا فالمعرفة التي أخذها الله في
الميثاق على الانبياء أولاً قبل الرعية تعرفها الانبياء بالبديهة، فكلهم يتوسلون
الى الله بهم ، ويعلمون رعيتهم بما أوجبه لهم وأخذه له عليهم من