سبحانه لا يامره إلا الحق .
قلت : ليس التوقف من الانبياء في الولاية العلمية الاعتقادية وإلا لكفروا نعوذ بالله ، بل التوقف في الولاية العمليه ، لان الايمان انما هو اعتقاد في الجنان، واقرار في اللسان، وعمل بالاركان ، ومثل يونس وغيره من الانبياء المناسب أن يسقطوا اعتبار انفسهم بالكلية ويفقدوها بالمرة، فلا تكون لهم ارادة سوى ارادة الله سبحانه في كل شيء .
ومثل يونس كان فيه حدة وغضب على قومه ، وكان غضبه الله إلا أن الذي يراد من مثله أن لا يغضب إلا ان يؤمن بالغضب ، ولا يجد في نفسه حرج .
ويونس دعى على قومه بالهلاك ، والله سبحانه يحب أن يرق عليهم ويصبر على اذيتهم ، فان ذلك هو مقتضى ولاية آل محمد صلوات الله عليهم .
ألا ترى ما جرى على آل محمد، ومع ذلك لم تصدر منهم دعوة على رعيتهم ، بل ولا على ظالميهم ، لان هذه صفة الله ، ولهذا أمهل فرعون وغيره من الفراعنة ، فكانت هذه الولاية العملية الكاملة تكلف بها الانبياء وتركها معصية بالنسبة اليهم ، لان حسنات الأبرار سيئات المقربين .
وتسمى عندنا هذه المعصية بمخالفة الأولى ، فعبروا عنها بهذا اللفظ وهو قوله : «أتولى مَنْ لم أرَهُ ولم أعرفه أي لم اعرفه بتجريد نفسي عن السبحات ، واسقط اعتبارها عن جميع الملاحظات ، فلم أكن أعرفه بتلك المعرفة المحضة التي هي المعرفة الكاملة ، وإلا فالمعرفة التي أخذها الله في الميثاق على الانبياء أولاً قبل الرعية تعرفها الانبياء بالبديهة، فكلهم يتوسلون الى الله بهم ، ويعلمون رعيتهم بما أوجبه لهم وأخذه له عليهم من