وهذه الأقوال أنسب إلى أبناء هذا الزمان، لأنه زمان غلبة الاستعداد وظهور سلطنة الولاية، وذلك لأن التوحيد له طرفان، طرف الجمع وطرف التفرقة، وكل واحد منها على الانفراد مذموم، لأن فيهما مفاسد كثيرة ومهالك عظيمة من الإباحة والزندقة والاتحاد والإلحاد والشرك والكفر، فالفضيلة في الجمع بينهما الذي هو الإقامة على حاق الوسط من الطرفين في الأخلاق المعبر عنه بالصراط المستقيم، الموصوف بأنه أحد من السيف وأدق من الشعر، فعليك بالرعاية لهذه القواعد، وإياك عن إهمال شيء من هذه الضوابط، فإنها هي المقصودة بالذات، والمنتخب المستخلص من جميع الإشارات.
(١) ثم قال ما ملخصه: أن لا يتوهم . أحد أن بين إشاراتهم ) اختلاف، ولا عباراتهم خلاف، وجل جنابهم عن أمثال ذلك، لأنهم من اهل الله الذين سبق فيهم حكم الحديث القدسي « لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ولسانه ويده، فبي يسمع وبي يبصر وبي ينطق وبي يبطش وبي يمشي فيكون كلامه كلامه، وقوله قوله، وفعله فعله، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيتَ ولَكنَّ الله رَمَى ) ().
والعارفون أهل الله كلهم في هذا المقام، وهو مقام الوحدة الصرفة، فلا يكون في عباراتهم اختلاف في الحقيقة، لأنهم تابعون للأنبياء والأولياء، فكما لا يمكن الاختلاف بينهم عليهم السلام في شيء من الأشياء مما يتعلق بالأصول الكلية الدينية والقواعد الإجماعية الشرعية، فكذلك لا خلاف بينهم، وإن اختلفت عباراتهم، والمراد من الكل شيء واحد وهو إثبات وجود واحد ونفي وجودات أخر، فهذا بأي وجه حصل هو التوحيد المطلوب المسمى بالتوحيد
(١) أفضل العبارات وأحسن الإشارات ما صدر عن معدن الولاية ومنبع الإمامة علي بن موسى الرضا عليه آلاف التحية والثناء توحيده تمييزه عن خلقه، وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة منه قدس سره».
(۲) الأنفال ۱۷:۸