ومن السورة التي يذكر فيها « الحشر »
قوله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [٩] الآية. وهذه استعارة لأن تبوّؤ الدار هو استيطانها والتمكن فيها ، ولا يصحّ حمل ذلك على حقيقته فى الإيمان. فلا بدّ إذن من حمله على المجاز والاتساع.
فيكون المعنى أنهم استقروا فى الإيمان كاستقرارهم فى الأوطان. وهذا من صميم البلاغة ، ولباب الفصاحة. وقد زاد اللفظ المستعار هاهنا معنى الكلام رونقا. ألا ترى كم بين قولنا : استقرّوا فى الإيمان ، وبين قولنا : تبوّءوا الإيمان.
وأنا أقول أبدا إن الألفاظ خدم للمعانى ، لأنها تعمل فى تحسين معارضها ، وتنميق مطالعها.
وقوله سبحانه : ﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [٢١] وهذا القول على سبيل المجاز. والمعنى أن الجبل لو كان مما يعى القرآن ويعرف البيان ، لخشع فى (١) سماعه ، ولتصدّع من عظم شأنه ، على غلظ أجرامه ، وخشونة أكنافه. فالإنسان أحق بذلك منه ، إذ كان واعيا لقوارعه ، وعالما بصوادعه.
__________________
(١) كذا بالأصل. ولعلها « من » .