والحق أن السيد محمد
المشكاة قد بالغ فى حسن الظن بناسخ المخطوطة مبالغة أفضت به إلى أن يترك تحقيق
النص جانبا ، وأن يهتم بالفهارس البديعة أكثر من اهتمامه بإصلاح الهفوات وتصحيح
التحريفات ! وهى فهارس نرى من حشو الكلام أن نزيد فى قدرها ، وأن نشيد بها ، وأن
نكرر الثناء على صاحبها.
وقد بلغ من حسن ظن السيد المشكاة بهذه
النسخة الخطية الوحيدة أنه قال فيها : [ إنها نسخة مهذبة ... إلا أنها مع ذلك لا
تخلو من أغلاط قليلة لا يسلم منها أي ناسخ ] ، وتلك شهادة الرجل الكريم حين يحسن
الظن بالناس وبالأشياء ! فالحق أنها نسخة مملوءة بأغلاط كثيرة ستظهر من الهوامش
الكثيرة التي سيلقاها القارئ هنا فى هذه الطبعة المصرية.
والحق أننا كدنا نحسن الظن بالنسخة
وناسخها حينما وقعت العين لأول وهلة على خطها الواضح المقروء فى سهولة ويسر ،
ولكننا آثرنا جانب الحذر والحيطة على جانب الإحسان بالظن ، حين يكون حسن الظن
مفضيا إلى مشايعة المخطئ ، ومتابعة المحرّف ، ومجانبة المصيب ! والحق أن تصحيح
الآيات القرآنية لم يتعبنا قدر ما أتعبنا تقويم النص وإصلاح الشعر ، ورد أكثر إلى
قائليه الذين أغفلهم الشريف الرضى رحمهالله ، ثقة منه بعرفان الناس فى زمانه لهذه
الشواهد ولأصحابها. ولكن بعضا من هذه الشواهد الشعرية قد خفى قائلوه حتى على
السابقين من المفسرين والأدباء ومؤلفى كتب الشواهد ، وصاحب « لسان العرب » نفسه !
مع أنه أكثر مصادرنا ومراجعنا فى أبيات الاستشهاد. ومع ما بذلت من جهد فى سبيل
تحقيق نسبة الشعر المستشهد به إلى قائليه ، فقد بقيت بضعة أبيات لم أقف لها على
أثر فى كتب المراجع التي يجدها القارئ فى فهرس خاص فى آخر الكتاب ، ولعل الله يتيح
لها من القراء الكرام من يزيح عنها نقاب الخفاء ، فيسهم فى التحقيق بما توجبه
وشائج العلم وروابط الفكر ، وهى وشائج مجابة الدعاء ، وحقوقها واجبة الأداء.