ومجاملة الحساد ، والتفكير في إرضاء فريق والنكاية بآخر ، هى التي تملأ قلبه بالهم ، ولا ننس ما أثّره بطبعه دور النكبة وقضية القلعة ، فقد رأينا أنه أثّر حتى على خياله في النسيب ، وفوق ذلك كله ما عرفنا من حاله القلقة مع القادر العباسي. وهذه الهموم النفسية هي التي أعدته للنبوغ في الرثاء فأحسن فيه ما شاء.
حقا إن الرثاء يكون للمجاملة كما يكون للعاطفة ، ولكن بما ذا نفرق بين النوعين في شعره والمتانة فيهما على السواء ؟ لو لا ما نحسه من ظهور العواطف في هذا وتكلف الحزن في ذاك ، ونجد رثاءه لأبيه فى ناحية ولبهاء الدولة في أخرى ولمثل ابن جني وابن السيرافي في موضع ثالث ، وكل وفّاه حقه بلا مواربة ولا ممالأة. ولعلنا مع التعمق والروية نجد كافة مراثيه تتمثل فيها الأحزان النفسية بلا تكلف وتعمل ، وفي هذا تدليل على بعده عن المواربة فى رثائه ، وليس لنا ان ننكر عليه تفاوت مراثيه فى الإطراء وحسن الوصف ، ما دام الرجال متفاوتين بالفضيلة والمزايا الحميدة ، وبالحقوق على المؤبن ، وإذا كان بهاء الدولة هو ذلك الملك العظيم المفضل عليه ، فلا غرو إذا بالغ في الحزن عليه بقوله :
لقد جل قدر الرزء أن يبلغ البكا |
|
مداه ولو أن القلوب دموع |
و لو أن قلبي بعد يومك صخرة |
|
لبان بها وجدا عليك صدوع |
وهذا بالطبع تتجلى فيه العاطفة أكثر مما هي متجلية في غيره ممن ليس هو كبهاء الدولة وشرف الدولة بالعظمة والسلطان ، ومن بديع ما رثي به بعض الهاشميين من أسرته قوله :