فاتقن أصوله (١) ، وأنه زاول القرآن بعد أن دخل فى السن فحفظه فى مدة يسيرة (٢) ـ نعرف توقد ذكائه وجودة حفظه وسرعة انتقاله واستمرار حفظه لما وعاه ، ونقدر له العشرين بضعفها ، ونعلم ان نظمه للشعر لا يختلس من وقته الا قدر ما يكتبه او يمليه ، وأن تلك العوائق لم تكن لتصده عن الاشتغال بالعلم مدرسا ولا مؤلفا.
وهذا يدلنا على انه منذ قارب العشرين لم يحتج ان يتلمذ على أحد ، وأنه قد يعتمد على نفسه فى التحصيل اكثر مما يتلقاه من الاساتذة ، فيكتب كتابة واثق بنفسه غير مقلد لأحد ، وحسبنا في التدليل أن نحيل على كتابه هذا. وهذا ديوان شعره الفخم إذا سبرناه لا نجده قد اضطره التكلف فى بيت واحد إلى خطإ في اللغة والاعراب.
مدرسته دار العلم ومكتبتها ومجمعه الأدبي
ينبؤنا ابن خلكان أنه اتخذ لتلامذته عمارة سماها ( دار العلم ) وأرصد لها مخزنا فيه جميع حاجياتهم من ماله ، وأنه عند ما أهدى لهم الوزير المهلبي هدية ـ على كره وإباء من الشريف ـ لم يمد أحد منهم يدا إلى شيء منها ؛ وكيف يرمقها أحدهم ببصره ، وهو مكفي المئونة غني النفس صادق النية في طلب العلم. وإذا كانت العمارة للشريف والنفقة عليه والتلامذة منسوبون إليه ، فهو هو الذي يلقي عليهم إفاداته دروسا يومية متتابعة ، لأن إلقاء المحاضرات غبا ، وإلقاء عهدتها إلى غيره
__________________
(١) ابن خلكان.
(٢) ابن خلكان عن ابن جنى ، ويقول صاحب العمدة : انه حفظه على الكبر. وفي شرح النهج : حفظه بعد ان جاوز الثلاثين في مدة يسيرة.