والأنفة ، لا تجد فيه زهوا ولا خيلاء ولا جبريّة ، كما نجد ذلك كثيرا في مستعار العظمة او مستجد النعمة ، ولذا لا نراه يطمع في اطراء الشعراء له مع استحقاقه وتأهله لذلك ، كما نجد الصاحب بن عباد يتحامل على المتنبي بشدة لأنه لم يمدحه ، بل انا نلمس منه لين الجانب ودماثة الخلق حينما نراه ينزل في معاتبة اصدقائه الى رتبة المماثل او دونها ، وتدلنا شوقيته لصديقه ابى الحسين أحمد بن علي البتّي الكاتب انه على غاية بعيدة من لين الجانب والبعد عن الغطرسة ، وذلك حيث يقول له :
اشاق إذا ذكرتك من بعيد |
|
و أطرب إن رأيتك من قريب |
كانك قدمة الأمل المرجى |
|
عليّ وطلعة الفرج القريب |
إذا بشرت عنك بقرب دار |
|
نزا قلبي إليك من الوجيب |
أكاد اريب فيك إذا التقينا |
|
من الأنفاس والنظر المريب |
فهذا ونحوه لا تسمح به الكبرياء ـ لو كانت ـ خطابا من الشريف لمثل البتي إلّا أن يكون قرينا له في المزايا او خليصا له في النسب ؛ وفي هذا ونحوه تدليل على ان تلك الحماسات ، وتلك الاندفاعات التي امتلأ بها ديوان شعره لم تكن لتنشأ عن شراسة في الخلق وخشونة ، ولكل مقال مقامه الذي يليق به ولا يوضع في مقام غيره ، ومما يبرهن على ذلك ايضا مدائحه الجمة واستعطافاته ، فانها لا تتفق مع الشراسة ، ولذا لا نجد شاعرا مداحا في الأغلب إلا سهل الأخلاق ليّن الجانب لأن الانعطاف نحو الممدوح واستماحة فواضله والسماحة بإظهار فضائله يلين عريكته ويسهل جماحه ، وقد يتفق لسهل الأخلاق ان يستعمل الحزونة