ولتأييد الأدلة على رفعة أبي احمد في نفسه ، علينا أن نلتفت الى توليه إمارة الحج ، التي لا يكفي في استلامها ، وفي القيام بالواجب من شئونها ، أن يكون الأمير ذا جاه مستفاد وذا قوّة مسلحة ومزوّدة بالمال والعتاد ، فان هذا وحده لا يمكّن الأمير من قطع البوادي المترامية التي يتقلص عند التوغل بها نفوذ السلطان ، ولا تنفع فيها القوة والمال مهما توفّرا ، بل لا بد له مع ذلك ان يكون مهابا في نفسه وشجاعا ذائع الصيت ، وان يكون ذا كرامة شخصية وجاه واسع ، وذا صلات قويّة بسراة العرب المتنفذين بأقوامهم ، في تلك البوادي وتلك المضائق والشعاب ، التي لا تجوزها قافلة تحمل الأزواد والأمتعة إلّا بخراج او إتاوة ، او برجل يجير على كافة أهلها.
انا لا يهمني تحديد كرامة ابى احمد الاجتماعية ، لو لا العبور منها الى تربية ولده ، وقد أستدرك على نفسي الإطناب في استنتاجها من تلك المبادئ المرتبكة. ولكن لو حدّدنا كرامته بمفاخر الأسرة ومآثر البسالة والفتوّة ، وما ينضاف الى ذلك من الترفع عن منازع الأطماع والشموخ بغرر الأيادي ، فقط ، لكان كافيا في الحكم على تربية ولده الشريف بالصحة من كل ناحية ؛ فكيف وقصيدته المستهلة بقوله : « وفوا بمواعيد الخليط وأخلفوا » توسّع الدائرة في كرامة أبيه إلى أبعد من ذلك الحد : ففي القصيدة سفاراته وتوسطاته للاصلاح ، وفيها حروبه وإماراته ، وفيها ما في غيرها من مآثر الفتوة والبسالة وما ينضاف إليها ، ونحن إذا رأينا الشريف يمتن بأبيه كثيرا على شرف الدولة وبهاء الدولة ،