ومن سورة أبى لهب
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عزوجل : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) (١).
ذكروا أن النبي صلىاللهعليهوسلم قام على المروة ، فقال : يا آل غالب ، فاجتمعت إليه ، ثم قال : يا آل لؤى ، فانصرف ولد غالب سوى لؤى ، ثم قال ذلك حتى انتهى إلى قصى. فقال أبو لهب : فهذه قصى قد أتتك فما لهم عندك؟ فقال : إن الله تبارك وتعالى قد أمرنى أن أنذر عشيرتى الأقربين ، فقد أبلغتكم ، فقال أبو لهب : أما دعوتنا إلّا لهذا؟ تبّا لك ، فأنزل الله عزوجل : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) وفى قراءة عبد الله : «وقد تب» فالأول : دعاء ، والثاني : خبر. قال الفراء : (تَبَّ) : خسر ، كما تقول للرجل : أهلكك الله ، وقد أهلكك ، أو تقول : جعلك الله صالحا ، وقد جعلك.
وقوله عزوجل : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) (٤) ، ترفع الحمّالة وتنصب (١) ، فمن رفعها فعلى جهتين : يقول : سيصلى نار جهنم هو وامرأته حمالة الحطب تجعله من نعتها ، والرفع الآخر وامرأته حمالة الحطب ، تريد : وامرأته حمالة الحطب فى النار ، فيكون فى جيدها هو الرافع ، وإن شئت رفعتها بالحمالة ، كأنك قلت : ما أغنى عنه ماله وامرأته هكذا. وأما النصب فعلى جهتين :
إحداهما [١٥١ / ا] أن تجعل الحمالة قطعا ؛ لأنها نكرة ؛ ألا ترى أنك تقول : وامرأته الحمالة الحطب (٢) ، فإذا ألقيت الألف واللام كانت نكرة ، ولم يستقم أن تنعت معرفة بنكرة.
والوجه الآخر : أن تشتمها بحملها الحطب ، فيكون نصبها على الذم ، كما قال صلىاللهعليهوسلم سيّد المرسلين سمعها الكسائي من العرب. وقد ذكرنا [مثله] (٣) فى غير موضع.
__________________
(١) حمالة بالرفع قراءة الجمهور ؛ على أن يكون خبرا ، وامرأته مبتدأ ، ويكون فى جيدها حبل من مسد جملة فى موضع الحال من المضمر فى حمالة ، أو خبرا ثانيا ، أو يكون حمالة الحطب نعتا لامرأته ، والخبر فى جيدها حبل من مسد ، فيوقف على هذا ـ على ذات لهب. وقرأ عاصم حمالة بالنصب على الذم ، كأنها اشتهرت بذلك فجاءت الصفة للذم لا للتخصيص كقوله تعالى : (مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا) (القرطبي ٢٠ / ٢٤٠).
(٢) فى ش : الحطب.
(٣) زيادة من ش يطلبها الأسلوب.