وقوله عزوجل : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) (٩)
يقول : قد أفلحت نفس زكّاها الله ، وقد خابت نفس دسّاها ، ويقال : قد أفلح من زكّى نفسه بالطاعة والصدقة ، وقد خاب من دسّى نفسه ، فأخملها بترك الصدقة والطاعة ، ونرى ـ والله أعلم ـ أنّ دساها من : دسّست ، بدّلت بعض سيناتها ياء ، كما قالوا : تظنيت من : الظن ، وتقضيت يريدون : تقضضت من : تقضّض [البازي ،] (١) وخرجت أتلعّى : ألتمس اللّعاع أرعاه. والعرب تبدل فى المشدد الحرف منه بالياء (٢) والواو (٣) من ذلك ما ذكرنا لك ، وسمعت بعض بنى عقيل ينشد :
يشبو بها نشجانه [من النشيج (٤)]
هذا (٥) آخر بيت ، يريد : [يشب] (٦) : يظهر ، يقال : الخمار الأسود [يشب] (٧) لون [البيضاء] (٨) فجعلها واوا ، وقد سمعته فى غير ذلك ، ويقال : دويّه وداويّه ، ويقال : أما فلان فصالح وأيما ، ومن ذلك قولهم : دينار أصله دنّار ، يدل على ذلك جمعهم إياه دنانير ، ولم يقولوا : ديانير ، وديوان كان أصله : دوّان لجمعهم إياه : دواوين [١٣٩ / ب] ، وديباج : ديابيج ، وقيراط : قراريط ، كأنه كان قرّاط ، ونرى أن دسّاها دسسها ؛ لأن البخيل يخفى منزله وماله ، وأن الآخر يبرز منزله على الأشراف والروابي ، لئلا يستتر عن الضيفان ، ومن أراده ، وكل صواب.
وقوله : (بِطَغْواها) (١١)
أراد بطغيانها إلّا أن الطغوى أشكل برءوس الآيات ؛ فاختير لذلك. ألا ترى أنه قال : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ (٩)) ومعناه آخر دعائهم ، وكذلك (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَ) (١٠) ودعاؤهم فيها هذا.
__________________
(١) سقط فى ش ، واللعاع ، كغراب : نبت ناعم فى أول ما يبدو. وفى النسخ بالياء والصواب بدون باء.
(٢ ، ٣) فى ش بالواو ومن.
(٤) سقط فى ش : من النشيج.
(٥) فى ش : وهذا.
(٦ ، ٨) سقط فى ش.
(٧) فى اللسان : وشب لون المرأة خمار أسود لبسته أي : زاد فى بياضها ولونها فحسّنها ؛ لأنّ الضدّ يزيد فى ضده ويبدى ما خفى منه (وانظر ناج العروس).
(٩ ، ١٠) سورة يونس الآية : ١٠.