والبررة : الواحد منهم فى قياس العربية بار ؛ لأن العرب لا تقول : فعلة ينوون به الجمع إلا والواحد منه فاعل مثل : كافر وكفرة ، وفاجر فجرة. فهذا الحكم على واحده بار ، والذي تقول العرب : رجل برّ ، وامرأة برة ، ثم جمع على تأويل فاعل ، كما قالوا : قوم خيرة بررة. سمعتها من بعض (١) العرب ، وواحد الخيرة : خيّر ، والبررة : برّ. ومثله : قوم سراة ، واحدهم : سرىّ. كان ينبغى أن يكون ساريا. والعرب إذا جمعت : ساريا جمعوه بضم أوله فقالوا : سراة وغزاة. فكأنهم إذ قالوا : سراة : كرهوا أن يضموا أوله. فيكون الواحد كأنه سار ، فأرادوا أن يفرقوا بفتحة أول سراة بين : السرىّ والساري.
وقوله عزوجل : (ما أَكْفَرَهُ) (١٧)
يكون تعجبا ، ويكون : ما الذي أكفره؟. وبهذا الوجه الآخر جاء التفسير ، ثم عجّبه ، فقال : (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (١٨) ثم [١٢٧ / ا] فسّر فقال : (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) (١٩) أطورا نطفة ، ثم علقة إلى آخر خلقه ، وشقيا أو سعيدا ، وذكرا أو أنثى.
وقوله عزوجل : (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) (٢) (٢٠)
معناه : ثم يسره للسبيل ، ومثله : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) ، أي : أعلمناه طريق الخير ، وطريق الشر.
وقوله عزوجل : (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) (٢١)
جعله مقبورا ، ولم يجعله ممن يلقى للسباع والطير ، ولا ممن يلقى فى النواويس ، كأن القبر مما أكرم المسلم به ، ولم يقل : فقبره ؛ لأنّ القابر هو الدافن بيده ، والمقبر : الله تبارك وتعالى ؛ لأنه صيره ذا قبر ، وليس فعله كفعل الآدمي. والعرب تقول : بترت ذنب البعير ، والله أبتره. وعضبت قرن الثور ، والله أعضبه ، وطردت فلانا عنى ، والله أطرده (٣) صيّره طريدا ، ولو قال قائل : فقبره ، أو قال فى الآدمي : أقبره إذا وجهه لجهته صلح ، وكان صوابا ؛ ألا ترى أنك تقول : قتل فلان أخاه ، فيقول الآخر : الله قتله. والعرب تقول : هذه كلمة مقتلة مخيفة إذا كانت من قالها قتل قيلت هكذا ، ولو قيل فيها : قاتلة خائفة كان صوابا ، كما تقول : هذا الداء قاتلك.
__________________
(١) كرر فى ش : بعض.
(٢) سورة الإنسان الآية : ٣.
(٣) كذا فى ش ، وفى ب ، ح : وصيره ، تحريف.