عدلا بين ذلك أي بين الإسراف والإقتار. وإن شئت جعلت (بين) فى معنى رفع ؛ كما تقول : كان دون هذا كافيا لك ، تريد : أقلّ من هذا كان كافيا لك ، وتجعل (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ) كان الوسط من ذلك قواما. والقوام قوام الشيء بين الشيئين. ويقال للمرأة : إنها لحسنة القوام فى اعتدالها. ويقال : أنت قوام أهلك أي بك يقوم أمرهم وشأنهم وقيام وقيم وقيّم فى معنى قوام.
وقوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً [٦٨] يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [٦٩] قرأت القراء بجزم (يُضاعَفْ) ورفعه عاصم (١) بن أبى النّجود. والوجه الجزم. وذلك أن كلّ مجزوم فسّرته ولم يكن فعلا (٢) لما قبله فالوجه فيه الجزم ، وما كان فعلا لما قبله رفعته. فأمّا المفسّر للمجزوم فقوله (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) ثم فسر الأثام ، فقال (يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) ومثله فى الكلام : إن تكلّمنى توصنى بالخير والبرّ أقبل منك ؛ ألا ترى أنك فسّرت الكلام بالبرّ ولم يكن فعلا له ، فلذلك جزمت. ولو كان الثاني فعلا للأوّل لرفعته ، كقولك إن تأتنا تطلب الخير تجده ؛ ألا ترى أنك تجد (٣) (تطلب) فعلا للاتيان ١٣٢ ب كقيلك : إن تأتنا طالبا للخير تجده.
قال الشاعر (٤) :
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره |
|
تجد خير نار عندها خير موقد |
فرفع (تعشو) لأنه أراد : متى تأته عاشيا. ورفع عاصم (يضاعف له) لأنه أراد الاستئناف كما تقول : إن تأتنا نكرمك نعطيك كلّ ما تريد ، لا على الجزاء.
وقوله : (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) [٧٢] يقول : لا يحضرون مجالس الكذب والمعاصي.
__________________
(١) أي فى رواية أبى بكر. وقرأ بالرفع أيضا ابن عامر.
(٢) يريد ألا يكون مطلوبا لما قبله فى المعنى ، ومن المطلوب لما قبله أن يكون حالا كما فى الشواهد الآتية.
(٣) ا : «أن تطلب فعل للإتيان».
(٤) أي الخطيئة. ويقال : عشا إلى النار : رآها ليلا من بعيد فقصدها مستضيئا.