فدلّ مجىء أحدها هنا على أنه لم يرد أن يكون ما جاء من النكرات حالا للأسماء التي قبلها ، ودلّ على أنه مترجم (١) عن (٢) معنى من وما. وممّا يدلّ أيضا قول الله عزوجل (وَما أَنْفَقْتُمْ (٣) مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) لأن الشيء لا يكون حالا ، ولكنه اسم مترجم. وإنما ذكرت هذا لأن العرب تقول : لله درّه من رجل ، ثم يلقون (من) فيقولون لله درّه رجلا. فالرجل مترجم (لما (٤) قبله) وليس بحال ، إنّما الحال التي تنتقل ؛ مثل القيام والقعود ، ولم ترد لله درّه فى حال رجوليّته فقط ، ولو أردت ذلك لم تمدحه كلّ المدح ؛ لأنك إذا قلت : لله درّك قائما ، فإنما تمدحه فى القيام وحده.
فإن قلت : فكيف جاز سقوط من فى هذا الموضع؟ قلت من قبل أن الذي قبله مؤقت فلم أبل أن يخرج بطرح من كالحال ، وكان فى الجزاء غير موقت فكرهوا أن تفسّر حال عن اسم غير موقّت فألزموها من. فإن قلت : ٩٥ ب قد قالت العرب : ما أتانى من أحد وما أتانى أحد فاستجازوا إلقاء من. قلت : جاز ذلك إذ لم يكن قبل أحد وما أتى مثله شىء يكون الأحد له حالا فلذلك قالوا : ما جاءنى من رجل وما جاءنى رجل.
وقوله : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) [٥٢] معناه : دائما. يقال : وصب يصب : دام. ويقال : خالصا.
وقوله : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [٥٣] (ما) فى معنى جزاء ولها فعل مضمر ، كأنك قلت : ما يكن بكم من نعمة فمن الله ؛ لأن الجزاء لا بدّ له من فعل مجزوم ، إن ظهر فهو جزم وإن لم يظهر فهو مضمر ؛ كما قال الشاعر :
__________________
(١) ضبط فى ا بفتح الجيم والظاهر كسرها.
(٢) ا : «على».
(٣) الآية ٣٩ سورة سبأ.
(٤) سقط فى ا.