يعارضه على الجبال ، فلمّا كان في بعض الطريق حضرت صلاة الظهر ، فأذّن بلال ، فصلى رسول الله صلىاللهعليهوآله بالناس ، فقال خالد بن الوليد ، لو حملنا عليهم وهم في الصلاة لأصبناهم ، فانّهم لا يقطعون صلاتهم ، ولكن تجبيء لهم صلاة اخرى أحب إليهم من ضياء أبصارهم ، فإذا دخلوا في الصلاة أغرنا عليهم ، فنزل جبرئيل على رسول الله صلىاللهعليهوآله بصلاة الخوف.
فلمّا كان في اليوم الثاني نزل رسول الله صلىاللهعليهوآله بالحديبية ، وهي على طرف الحرم ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يستنفر الأعراب في طريقه معه ، فلم يتبعه أحد ، ويقولون : أيطمع محمد وأصحابه أن يدخلوا الحرم وقد غزتهم قريش في عقر ديارهم فقتلوهم ، إنّه لا يرجع محمد وأصحابه إلى المدينة أبدا.
فلمّا نزل رسول الله صلىاللهعليهوآله الحديبية ، خرجت قريش يحلفون باللات والعزّى لا يدعون رسول الله صلىاللهعليهوآله يدخل مكّة وفيهم عين تطرف ، فبعث إليهم رسول الله صلىاللهعليهوآله: أنّي لم آت للحرب ، وإنّما جئت لأقضي مناسكي ، وأنحر بدني ، واخلّي بينكم وبين لحماتها.
فبعثوا عروة بن مسعود الثقفي ، وكان عاقلا لبيبا ، وهو الذي أنزل الله فيه : ﴿وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ فلمّا أقبلوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله عظّم ذلك ، وقال : يا محمد ، تركت قومك وقد ضربوا الأبنية ، وأخرجوا العوذ المطافيل (١) ، يحلفون باللات والعزّى لا يدعوك تدخل مكّة وفيهم عين تطرف ، أفتريد أن تبير أهلك وقومك يا محمد ؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ما جئت للحرب ، وإنّما جئت لاقضي مناسكي ، وأنحر بدني ، وأخلّي بينهم وبين لحماتها. فقال عروة : والله ما رأيت أحدا صدّكما صددت.
فرجع إلى قريش ، فأخبرهم ، فقالت قريش : والله لئن دخل محمد مكّة ، وتسامعت به العرب ، لنذلنّ ولتجترئنّ علينا العرب. فبعثوا حفص بن الأحنف وسهيل بن عمرو ، فلمّا نظر إليهما رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : ويح قريش ، قد نهكتهم الحرب ، ألا خلّوا بيني وبين العرب ، فإن أك صادقا فانّما أجر الملك إليهم مع النبوة ، وإن أك كاذبا كفتهم ذؤبان العرب ، لا يسألني اليوم امرؤ من قريش خطّة لله فيها رضى (٢) إلّا أجبتهم إليه.
فلمّا وافوا رسول الله صلىاللهعليهوآله. قالوا : يا محمد ، ألا ترجع عامك هذا إلى أن ننظر إلى ما يصير أمرك وأمر العرب ، فانّ العرب تسامعت بمسيرك ، فاذا دخلت بلادنا وحرمنا استذلّتنا العرب واجترأت علينا ، ونخلي لك البيت في العام القابل في هذا الشهر ثلاثة أيام حتى تقضي نسكك وتنصرف عنّا.
__________________
(١) العوذ : الحديثة العهد بالنتاج من الابل والخيل ، والمطافيل : ذوات الطفل.
(٢) في المصدر ، وتفسير الصافي : سخط.