بين العرب يومئذ بادية مثلهم ، ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من
أهل الكتاب ، ومعظمهم من حمير الذين أخذوا بدين اليهودية فلما أسلموا بقوا على ما
كان عندهم مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التى يحتاطون لها مثل أخبار بدء
الخليقة وما يرجع إلى الحدثان والملاحم وأمثال ذلك» .
عجبا لأمر هذه
الفئة من المستشرقين ، فبينما يزعمون أن محمدا أخذ التوحيد من توراتهم ، ومفاد هذا
الزعم : أن الإسلام دين توحيد ولكنه بشرى المنبع يذهبون إلى أنه دين شرك ، فلقد
أراد محمد استمالة مشركى مكة وما حولها إلى جانبه فأثنى على آلهتهم في قرآنه وهو
ما يطلق عليه «واط» الآيات الإبليسية ، وهو يقصد قصة الغرانيق.
يريد «واط» أن
يقول ، من خلال سروره لهذه القصة وتأكيده على حدوثها : إذا كان الله يوحى إلى محمد
فالشيطان هو الآخر أوحى إليه (!).
والقصة ذكرت في
بعض كتب التراث الإسلامى بروايات متباينة ، غير أن المستشرق «واط» ـ وهو الباحث
المنهجى المدقق الذى يعرض كل أحداث الوحى على منهجه الشكى الصارم ـ لم ينظر في هذه
الروايات ، وإنما اكتفى بالضعيف الشاذ منها ، وعول عليه ليفرز مكنون قلبه.
وردنا ينحصر في
أمرين : الأول : تأكيد «واط» على حدوث القصة ، والثانى : موقف العلماء منها.
يؤكد «واط» على
حدوث قصة الغرانيق بقوله : «نلاحظ واقعتين نستطيع أن نعتبرهما أكيدتين : أولا رتل
محمد «صلىاللهعليهوسلم» في وقت من الأوقات الآيات التى أوحى بها الشيطان على
أنها جزء من القرآن ، لأنه لا يمكن أن تكون القصة قد اخترعها مسلمون فيما بعد أو
دسها غير المسلمين. ثم أعلن محمد فيما بعد أن هذه الآيات لا يجب أن تعتبر جزءا من
القرآن ويجب استبدالها بآيات تختلف عنها كثيرا في مضمونها ... وهناك واقعة ثالثة
أو مجموعة وقائع نستطيع أن نكون واثقين منها. وهى أنه كان يجب على محمد ومعاصريه
المكيين أن يشير في القرآن للآلهة : اللات .. والعزى .. ومناة .. ما تعنيه إذن
الآيات الإبليسية أن الاحتفالات مقبولة في المعابد الثلاثة حول مكة. وأما معنى
الآيات التى تقول بأن العبادة في هذه المعابد غير مقبولة فهى لا تحرم العبادة في
الكعبة.
__________________