ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤) أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا
____________________________________
(٧٤) (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) يا معشر اليهود ، أي : اشتدّت وصلبت (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) من بعد هذه الآيات التي تقدّمت من المسخ ورفع الجبل فوقهم ، وانبجاس الماء من الحجر ، وإحياء الميت بضرب عضو ، وهذه الآيات ممّا يصدّقون بها (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ) في القسوة وعدم المنفعة ؛ بل (أَشَدُّ قَسْوَةً) وإنّما عنى بهذه القسوة تركهم الإيمان بمحمّد صلىاللهعليهوسلم بعد ما عرفوا صدقه ، وقدرة الله تعالى على عقابهم بتكذيبهم إيّاه ، ثمّ عذر الحجارة وفضّلها على قلوبهم فقال : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ) ينزل من علو إلى سفل (مِنْ خَشْيَةِ اللهِ). قال مجاهد (١) : كلّ حجر تفجّر منه الماء ، أو تشقّق عن ماء ، أو تردّى من رأس جبل فهو من خشية الله تعالى ، نزل به القرآن. ثمّ أوعدهم فقال : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ثمّ خاطب النّبيّ صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، فقطع طمعهم عن إيمانهم ، فقال :
(٧٥) (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) وحالهم أنّ طائفة منهم كانوا (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ) يعني التّوراة (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) يغيّرونه عن وجهه. يعني : الذين غيّروا أحكام التّوراة ، وغيّروا آية الرّجم ، وصفة محمّد صلىاللهعليهوسلم (مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) أي : لم يفعلوا ذلك عن نسيان وخطأ ، بل فعلوه عن تعمّد (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنّ ذلك مكسبة للأوزار.
(٧٦) (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا) يعني : منافقي اليهود (قالُوا آمَنَّا) بمحمّد ، وهو نبيّ
__________________
(١) تفسير مجاهد ص ٨٠.