تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ * لِيُحِقَّ
الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ * إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ
لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٧) و (٩)﴾
ثمّ شرع سبحانه في بيان وقعة بدر وكراهة قومه إيّاها ، وكيفية نصرته نبيّه صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ﴾ العير أو النّفير ﴿أَنَّها﴾ تكون ﴿لَكُمْ﴾ ومختصّة بكم ﴿وَ﴾ أنتم ﴿تَوَدُّونَ﴾ وتحبّون ﴿أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ﴾ والقوّة من الطائفتين ، وهي العير ﴿تَكُونُ لَكُمْ﴾ حيث لم يكن فيها إلّا أربعون رجلا ، وذات الشّوكة منهما ، وهي النّفير ، فإنّه كان عددهم ألفا ، أو قريبا منه ﴿وَ﴾ لكن ﴿يُرِيدُ اللهُ﴾ إرادة تكوينيّة من توجيهكم إلى ذات الشّوكة ﴿أَنْ يُحِقَّ الْحَقَ﴾ ويثبته ﴿بِكَلِماتِهِ﴾ وآياته الدالّة عليه ﴿وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ﴾ ويستأصلهم ويهلكهم بسيوف المسلمين.
ثمّ أكّد سبحانه التّعليل بقوله : ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَ﴾ ويظهر دين الإسلام والتّوحيد ﴿وَيُبْطِلَ الْباطِلَ﴾ ويمحو من أرض الحجاز الباطل ومذهب الشّرك ﴿وَلَوْ كَرِهَ﴾ ذلك ﴿الْمُجْرِمُونَ﴾ والطّغاة العاصون.
قيل : إنّ المراد من الأوّل بيان سبب اختلاف الإرادتين ، ومن الثاني بيان حكمة توجيه الرسول صلىاللهعليهوآله إلى النّفير.
وفي رواية القمّي : فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله بالرّحيل حتّى نزل عشاء ماء بدر ، وهي العدوة (١) الشاميّة ، وأقبلت قريش فنزلت بالعدوة اليمانيّة ، وبعثت عبيدها تستعذب من الماء ، فأخذهم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله وحبسوهم ، فقالوا [ لهم ] : من أنتم ؟ قالوا : نحن عبيد قريش ، قالوا : فأين العير ؟ قالوا : لا علم لنا بالعير ، فأقبلوا يضربونهم ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يصلّي ، فانفتل من صلاته فقال : « إن صدقوكم ضربتموهم ، وإن كذبوكم تركتموهم ، عليّ بهم » ، فأتوا بهم ، فقال لهم : « من أنتم » قالوا : يا محمّد ، نحن عبيد قريش ، قال صلىاللهعليهوآله : « كم القوم ؟ » قالوا : لا علم لنا بعددهم ، قال : « كم ينحرون في كلّ يوم جزورا ؟ » قالوا : تسعة إلى عشرة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « القوم تسعمائة إلى ألف » قال : « فمن فيهم من بني هاشم ؟ » قالوا : العباس بن عبد المطلب ، ونوفل بن الحارث ، وعقيل بن أبي طالب ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله بهم فحبسوا.
وبلغ قريشا ذلك ، فخافوا خوفا شديدا ، ولقي عتبة بن ربيعة أبا البختري بن هشام فقال [ له ] : أما
__________________
(١) العدوة : المكان المرتفع أو شاطئ الوادي وجانبه.