بيت المقدس » (١) . قال الفيض رحمهالله : أقول : يعني عند الرجعة (٢) .
﴿قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ
عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٣٩) و (٤١)﴾
ثمّ لمّا أمهل الله اللعين للحكم البالغة التي منها امتحان بني آدم ﴿قالَ﴾ إبليس : ﴿رَبِ﴾ اقسم ﴿بِما أَغْوَيْتَنِي﴾ من التكليف بالسجود لآدم ، وقد كنت تعلم أنّي أعصيك فيه ، أو قال : ربّ بسبب إغوائك إياي والتكليف الذي صار سببا لعصياني ، اقسم بعزّتك لاعادي بني آدم و﴿لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ﴾ عصيانك ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ ودار الغرور ، وارغّبنهم في مخالفتك ، أو لأزينّن لهم المقام في الأرض كي يطمئنوا بها ﴿وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ﴾ وأبعثهم ﴿أَجْمَعِينَ﴾ إلى الضلالة بوسوستي وتسويلي وبما هيّأت من سبب عصيانهم بحيث لا ينجو أحد منهم من كيدي وإغوائي ﴿إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ﴾ ولكن لا عمومهم ، بل أعني ﴿الْمُخْلَصِينَ﴾ الذين خصصتهم بعبوديتك وطاعتك ، وطهّرتهم من الرذائل والشهوات ، فانّهم لا يؤثّر فيهم كيدي ، ولا يتّبعون وساوسي (٣)﴿قالَ﴾ سبحانه : ﴿هذا﴾ التخلّص من كيدك المخصوص بالمخلصين ﴿صِراطٌ﴾ وطريق حقيقي ﴿عَلَيَ﴾ رعايته وتقريره ، وهو ﴿مُسْتَقِيمٌ﴾ لا عوج فيه.
وقيل : إنّ المراد أنّ هذا الإخلاص طريق من مرّ عليه فكأنّما مرّ عليّ وعلى رضواني وكرامتي.
وقيل : كلمة ( عليّ ) بمعنى إليّ ، والمراد هذا الاخلاص طريق إليّ وهو مستقيم يؤدّيه إلى كرامتي وقربي. وقيل : إنّ المشار إليه بكلمة ( هذا ) هو الصراط ، والمعنى هذا الطريق في العبودية طريق عليّ مستقيم (٤) .
وقيل : إنّ المشار إليه التفويض إلى مشيئة الله المستفاد من قول إبليس : إلّا عبادك منهم المخلصين ، وحاصله أنّي أغوي بني آدم إلّا من عصمه الله بتوفيقه ، يدلّ ذلك على أنّ المخلصين يفوّضون امورهم إلى الله ، فقال الله : هذا التفويض إليّ وإلى مشيئتي طريق عليّ مستقيم (٥) .
﴿إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢)﴾
ثمّ لمّا كان في كلام إبليس إيهام سلطنته على غير المخلصين ، نفى سبحانه سلطنته على العباد عموما بقوله : ﴿إِنَّ عِبادِي﴾ [ سواءأ ] كانوا مخلصين ، أو غير مخلصين ﴿لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ﴾ بوجه من
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٢٤٥ ، تفسير الصافي ٣ : ١١٣.
(٢) تفسير الصافي ٣ : ١١٣.
(٣) في النسخة : بوساوسي
(٤) تفسير الرازي ١٩ : ١٨٩.
(٥) تفسير الرازي ١٩ : ١٨٩.