وهذه السبع الشداد تأويل سبع بقرات عجاف وسبع سنبلات يابسات ، وإنّما أسند الأكل إلى السنين مع أنه فعل أهل السنين للتطبيق بين المعبّر والمعبّر به.
﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩)﴾
﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ﴾ المذكور من السنين الشداد ﴿عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ﴾ ويمطرون أو ينقذون من الشدّة ﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ ما من شأنه أن يعصر ويؤخذ ماؤه ودهنه كالعنب والرّمان والزيتون وأمثال ذلك ، وهذا التعبير كناية عن وفور النّعم ، لأنه إذا كان الناس في ضيق من المأكول يأكلون جميع ذلك ولا يعصرون شيئا ليفسد ما سوى مائه.
وقيل : يعني يحلبون الضّروع (١) .
وقيل : أي ينجون (٢) من الشدّة ، أو يمطرون (٣) ، وهذان المعنيان على قراءة ﴿يَعْصِرُونَ﴾ مبنيا للمفعول ، كما نسبها العياشي إلى الصادق عليهالسلام (٤) .
وروي عنه عليهالسلام أنه قال « أما سمعت قول الله تعالى : ﴿وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً»﴾(٥).
والقمي رحمهالله عنه عليهالسلام : « قرأ رجل على أمير المؤمنين عليهالسلام ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ - يعني على البناء للفاعل - فقال : ويحك وأيّ شيء ﴿يَعْصِرُونَ﴾ يعصرون الخمر ؟ قال الرجل : يا أمير المؤمنين ، كيف أقرؤها ؟ فقال : إنما أنزلت ﴿عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ أي يمطرون بعد [ سنين ] المجاعة ، والدليل على ذلك قوله تعالى : ﴿وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً﴾(٦) .
وإنّما كرّر سبحانه لفظ ﴿فِيهِ﴾ إمّا للاشعار بكون الإغاثة والعصر متغايرين ، أحدهما فعل الله ، والآخر فعل الناس ، وإما لأنّ المقام مقام تعداد منافع ذلك العام ، ولذا قدّم في الموضعين.
ويحتمل أن يكون التقديم لبيان الحصر ، كأنه فرض أن الإغاثة والعصر في سائر السنوات بالنسبة إلى تلك السنة كالمعدوم ، أو لمراعاة الفواصل.
__________________
(١) تفسير الرازي ١٨ : ١٥١ ، تفسير البيضاوي ١ : ٤٨٦.
(٢) جوامع الجامع : ٢١٨ ، تفسير البيضاوي ١ : ٤٨٦ ، تفسير أبي السعود ٤ : ٢٨٣.
(٣) جوامع الجامع : ٢١٨ ، تفسير الرازي ١٨ : ١٥١ ، تفسير أبي السعود ٤ : ٢٨٣.
(٤) تفسير العياشي ٢ : ٣٤٧ / ٢١٠٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٤.
(٥) تفسير الصافي ٣ : ٢٥ ، والآية من سورة النبأ : ٧٨ / ١٤.
(٦) تفسير القمي ١ : ٣٤٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٥.