قيل : إنّ المراد من الّذين اتّخذوا العجل : هم الّذين أصرّوا على عبادته ولم يتوبوا عنها ؛ كالسامريّ وأضرابه من الّذين اشربوه في قلوبهم ، ومن الغضب : عذاب الآخرة ، ومن الذلّة : الاغتراب والمسكنة الدائمة.
روي أنّ موسى عليهالسلام همّ بقتل السامريّ ، فأوحى الله إليه : لا تقتله فإنّه سخيّ ، ولكن أخرجه من عندك ، فقال له موسى عليهالسلام : فاذهب من بيننا مطرودا فإنّ لك في الحياة - أي في عمرك - أن تقول لمن أراد مخالطتك جاهلا بحالك : [ لا مساس ، أي ] لا يمسّني أحد (١) .
وفي ( الكافي ) : عن الباقر عليهالسلام أنّه تلا هذه الآية فقال : « فلا نرى صاحب بدعة إلّا ذليلا ، ولا مفتريا على الله وعلى رسوله وأهل بيته إلّا ذليلا » (٢) .
( وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ
رَحِيمٌ * وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً
وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٣) و (١٥٤) )
ثمّ أنّه تعالى بعد إظهار الغضب على غير التّائبين من عبدة العجل ، أعلن برحمته على العصاة التّائبين بقوله : ﴿وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ﴾ كبيرة كانت أو صغيرة ﴿ثُمَّ تابُوا﴾ منها ﴿مِنْ بَعْدِها﴾ ما دامت حياتهم باقية ﴿وَآمَنُوا﴾ بربّهم إيمانا خالصا من شوب الشّرك والنّفاق ، وعملوا بمقتضى الإيمان ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ وراء الأعمال السيّئة ، أو التّوبة ﴿مِنْ بَعْدِها﴾ والله ﴿لَغَفُورٌ﴾ للذّنوب وإن كثرت وجلّت ﴿رَحِيمٌ﴾ بعبادة التّائبين ، مفيض عليهم بالخيرات الدّنيوية والأخرويّة.
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان غضب موسى عليهالسلام على عبدة العجل وعمله حاله ، بيّن سكون غضبه ، واعتذار هارون ، وتوبة قومه من عصيانهم وعمله حينه بقوله : ﴿وَلَمَّا سَكَتَ﴾ وسكن ﴿عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ﴾ لاعتذار أخيه ، وتوبة قومه ﴿أَخَذَ الْأَلْواحَ﴾ التي ألقاها حين الغضب من يده ، واستنسخ منها التّوراة ﴿وَفِي نُسْخَتِها﴾ والكتاب الذي كتبوا منها ﴿هُدىً﴾ وإرشاد إلى كلّ حقّ ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ وخير عظيم ﴿لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ ومن عصيانه يتّقون ، ومن عذابه يخافون.
( وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ
شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ )
__________________
(١) تفسير روح البيان ٣ : ٢٤٧.
(٢) الكافي ٢ : ١٤ / ٦ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٤١.