تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٦) و (٤٧)﴾
ثمّ لمّا حكى الله تعالى مخاطبة أهل الجنّة لأهل النّار ، وكان مجال توهّم القرب بينهما ، وتلذّذ أهل النّار برائحة الجنّة ونعمها ، وتأذّي أهل الجنّة من نتن الجحيم وحرّها ، دفع التوهّم بقوله : ﴿وَبَيْنَهُما حِجابٌ﴾ وسور كسور المدينة ﴿وَعَلَى الْأَعْرافِ﴾ وأعالي ذلك السّور - كما عن ابن عبّاس (١) - أو المأمورون على تعريف الفريقين ﴿رِجالٌ﴾ من أشراف أهل الإيمان والطّاعة قيل : هم الأنبياء يجلسهم الله على أعالي ذلك السّور تميّزا لهم عن سائر أهل القيامة ، وإظهارا لشرفهم وعلوّ مرتبتهم ، وليكونوا مشرفين على أهل الجنّة والنّار ، مطّلعين على أحوالهم ومقدار ثوابهم وعقابهم (٢) ، وقيل : هم الشّهداء (٣)﴿يَعْرِفُونَ كُلًّا﴾ من أهل الجنّة والنّار ﴿بِسِيماهُمْ﴾ وعلامتهم التي أعلمهم الله بها.
في معنى الأعراف والمراد من أصحابه
عن الصادق عليهالسلام : « الأعراف : كثبان (٤) بين الجنّة والنّار ، والرجال : الأئمّة » (٥) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « نحن نوقف يوم القيامة بين الجنّة والنّار ، فمن ينصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنّة ، ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النّار » (٦) .
وعنه عليهالسلام ، في هذه الآية : « نحن على الأعراف نعرف أنصارنا بسيماهم ، ونحن الأعراف الّذين لا يعرف الله عزوجل إلّا بسبيل معرفتنا ، ونحن الأعراف يوقفنا الله عزوجل يوم القيامة على الصّراط ، فلا يدخل الجنّة إلّا من عرفنا وعرفناه ، ولا يدخل النّار إلّا من أنكرنا وأنكرناه » (٧) .
وعن سلمان رضى الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول لعليّ عليهالسلام أكثر من عشر مرات : « يا عليّ ، إنّك والأوصياء من بعدك أعراف بين الجنّة والنّار ، ولا يدخل الجنّة إلّا من عرفكم وعرفتموه ، ولا يدخل النّار إلّا من أنكركم وأنكرتموه » (٨) . إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة بهذا المضمون ، أو ما يقرب منه.
وفي بعضها : « الرّجال هم الأئمّة من آل محمّد ، والأعراف صراط بين الجنّة والنّار » (٩) .
وعن الباقر عليهالسلام أنّه سئل عن أصحاب الأعراف ، فقال : « إنّهم قوم استوت حسناتهم وسيّئاتهم ، فقصرت بهم الأعمال » . الخبر (١٠) .
وعن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عنهم ، فقال : « قوم استوت حسناتهم وسيّئاتهم ، فإن أدخلهم النّار
__________________
( ١ و٢ و٣ ) . تفسير الرازي ١٤ : ٨٧.
(٤) الكثبان ، جمع الكثيب : هو الرمل المجتمع المحدودب.
(٥ و٦) . مجمع البيان ٤ : ٦٥٣ ، تفسير الصافي ٢ : ١٩٨.
(٧) الكافي ١ : ١٤١ / ٩ ، تفسير الصافي ٢ : ١٩٨.
(٨) تفسير العياشي ٢ : ١٤٨ / ١٥٨٦ ، تفسير الصافي ٢ : ١٩٩.
(٩) بصائر الدرجات : ٥١٦ / ٥ ، تفسير الصافي ٢ : ١٩٩.
(١٠) تفسير الصافي ٢ : ١٩٩.