ولا التفات إليه ، كالطّعن باللّسان ، والإساءة بالقول ، والسّعي في الإضلال.
﴿وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ﴾ يتظاهروا على حربكم ، لا يقاوموكم ، بل ﴿يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ﴾ ويلجئهم الخوف من بأسكم إلى الفرار ، من غير أن يصيبوكم بقتل ، أو جرج ، أو أسر ﴿ثُمَ﴾ بعد انهزامهم ﴿لا يُنْصَرُونَ﴾ من جهة أحد ، ولا يتقوّون بمدد ، ولا يتوقّع لهم شوكة ، ولا ينتظر لهم قوّة.
وفيه تثبيت لمن آمن منهم وبشارة بأنّهم لا يفارقون الخذلان ، ولا ينهضون بجناح ، ولا ترجع إليهم سلطة ونجاح ، كما كان من حال بني قريظة ، والنضير ، وقينقاع ، ويهود خيبر.
﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ
بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ
وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢)﴾
ثمّ أكّد خذلانهم بقوله : ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ﴾ وأحاطت بهم ﴿الذِّلَّةُ﴾ والمهانة ، كإحاطة الفسطاط المضروب بأهله ﴿أَيْنَ ما ثُقِفُوا﴾ وفي أي مكان كانوا ، وإلى أي حال تحوّلوا ﴿إِلَّا﴾ إذا تمسّكوا ﴿بِحَبْلٍ﴾ وثيق كائن ﴿مِنَ اللهِ﴾ واعتصموا بدينه القويم ، وكتابه الحكيم ﴿وَحَبْلٍ﴾ متين ﴿مِنَ النَّاسِ﴾ وهو ولاية أهل بيت النبيّ صلوات الله عليهم ومتابعتهم ، لنصّ النبيّ صلىاللهعليهوآله في خبر الثّقلين ، المتّفق على روايته بأنّ كتاب الله والعترة حبلان ممدودان ، من تمسّك بهما لن يضلّ أبدا (١) .
وعن العياشي : عن الصادق عليهالسلام قال : « الحبل من الله : كتاب الله ، والحبل من النّاس : عليّ بن أبي طالب عليهالسلام » (٢) .
والعجب من مفسّري العامّة أنّهم فسّروا الحبل من النّاس بذمّة المسلمين (٣) ، ولم يحتملوا إرادة العترة الطّاهرة منه ، مع أنّ دأبهم في التّفسير التّمسّك بأضعف الشّواهد.
ثمّ اعلم أنّ في هذه الآيات دلالة ظاهرة على صدق النبيّ صلىاللهعليهوآله في دعوى النّبوّة ، لأنّها أخبار صادقة بالمغيّبات ، لوقوع جميع ما أخبر به كما أخبر ، حيث إنّ اليهود لم يقاتلوا المسلمين إلّا انهزموا ، وما أقدموا على محاربة ، ولا طلبوا رئاسة إلّا خذلوا.
إن قيل : أهل الكتاب شامل للنّصارى ، مع أنّهم لم يزالوا في شوكة وسلطنة قاهرة إلى عصرنا هذا ، فكيف طابق الخبر المخبر ؟
__________________
(١) مجمع البيان ٢ : ٨٠٥.
(٢) تفسير العياشي ١ : ٣٣٦ / ٧٧٠ ، تفسير الصافي ١ : ٣٤٣.
(٣) تفسير أبي السعود ٢ : ٧٢ ، تفسير روح البيان ٢ : ٧٩.