وعن القمّي : عن الباقر عليهالسلام ، في هذه الآية ، قال : « فهذه لآل محمّد صلّى الله عليهم ومن تابعهم يدعون إلى الخير ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر » (١) .
﴿وَلا تَكُونُوا﴾ أيّها المؤمنون في خبث النّفس ، وحبّ الدّنيا ، واتّباع الشّهوات ﴿كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا﴾ بالقلوب ، وتباينوا بالأخلاق ، وتشتّتوا بالأهواء ﴿وَاخْتَلَفُوا﴾ في العقائد كاليهود والنّصارى ؛ حيث صاروا فرقا كثيرة ﴿مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ﴾ من قبل الله الآيات ﴿الْبَيِّناتُ﴾ والدّلائل الواضحات على الحقّ ، من التّوحيد والتّنزيه وأحوال المعاد ، مع أنّ كثرة الدّلائل على شيء ووضوحها موجبة للاتّفاق عليه ﴿وَأُولئِكَ﴾ المتفرّقون بالقلوب ، المختلفون في العقائد الفاسدة معدّ ﴿لَهُمْ﴾ عند الله ﴿عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ عقوبة على تفرّقهم واختلافهم.
في نقل كلام بعض العامة في عدم تحقق الاتفاق إلّا بالإمام
وقال بعض العامّة : لمّا أمر الله هذه الأمّة بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر - وذلك لا يتمّ إلّا إذا كان الآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر - قادرا على تنفيذ هذا التّكليف على الظّلمة والمتغلّبين ، ولا تحصل هذه القدرة إلّا إذا حصلت الألفة والمحبّة بين أهل الحقّ والدّين - فلا جرم حذّرهم الله عن التّفرّق والاختلاف ، لكيلا يصير [ ذلك ] سببا لعجزهم عن القيام بهذا التّكليف.
فعلى المؤمنين أن يتركوا مقتضى طباعهم من اتّباع الهوى ، ويتّفقوا على كلمة واحدة باتّباع إمام داع إلى الله على بصيرة ، كالرّسول وأصحابة ، يجمعهم على طريقة واحدة ، فإن لم يكن مقتدى وإمام تتّحد عقائدهم وسيرهم وآراؤهم بمتابعته ، وتتّفق كلمتهم وعاداتهم وآهواؤهم لمحبّته وطاعته ، كانوا متفرّقين ، فرائس للشّيطان ، كشريدة الغنم تكون للذّئب.
ولهذا قال أمير المؤمنين عليهالسلام : « لا بدّ للنّاس من إمام بارّ أو فاجر ، ولم يرسل رسول الله صلىاللهعليهوآله رجلين فصاعدا لشأن إلّا وأمرّ أحدهما على الآخر ، وأمر الآخر بمتابعته وطاعته ، ليتّحد الأمر وينتظم ، وإلّا وقع الهرج والمرج ، واضطرب أمر الدّين والدّنيا ، واختلّ [ نظام ] المعاش والمعاد » (٢) .
قال صلىاللهعليهوآله : « من فارق الجماعة قيد شبر لم ير بحبوحة (٣) الجنّة » .
وقال صلىاللهعليهوآله : « يد الله مع الجماعة » ، فإنّ الشيطان مع الفذّ (٤) ، وهو من الاثنين أبعد ، ألا ترى أنّ الجمعيّة الإنسانيّة إذا لم تنضبط برئاسة القلب وطاعة العقل كيف اختلّ نظامها ، وآلت إلى الفساد والتّفرّق
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ١٠٩ ، تفسير الصافي ١ : ٣٣٩.
(٢) تفسير روح البيان ٢ : ٧٥.
(٣) بحبوحة الشيء : وسطه وخياره.
(٤) الفذّ : الفرد المتفرّد.