﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا
دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي
أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥٢)﴾
ثمّ وبّخ سبحانه المنافقين بقوله : ﴿فَتَرَى﴾ يا محمّد ، المنافقين ﴿الَّذِينَ﴾ استقرّ ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ الكفر والنّفاق ﴿يُسارِعُونَ فِيهِمْ﴾ ويبادرون إلى موالاتهم ومرافقتهم ، و﴿يَقُولُونَ﴾ للمؤمنين اعتذارا من صنيعهم القبيح : إنّا نواليهم لأنّا ﴿نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا﴾ وتدور علينا ﴿دائِرَةٌ﴾ من دوائر الدّهر ، ودولة من دوله ؛ كانقلاب الأمر وكون الغلبة للمشركين واليهود.
قيل : إنّ هذا كان في قلوبهم ، وأمّا في الظاهر كانوا يقولون : إنّا نخاف أن يصيبنا مكروه من مكاره الزّمان كالجدب والقحط ، فلا يعطونا الميرة والقرض (١) .
فردّ الله عليهم بقوله : ﴿فَعَسَى اللهُ﴾ ويرجى من فضله ﴿أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ﴾ هو فتح مكة ، أو فتح قلاع خيبر لرسوله صلىاللهعليهوآله ﴿أَوْ أَمْرٍ﴾ آخر فيه استئصال اليهود وغيرهم من الكفّار ، وإعزاز المؤمنين ، كائن ﴿مِنْ عِنْدِهِ﴾ وبقدرته على خلاف العادة ﴿فَيُصْبِحُوا﴾ أولئك المنافقون المعتذرون ﴿عَلى ما أَسَرُّوا﴾ وأخفوا ﴿فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ من الكفر والشّكّ في أمر الرّسول ﴿نادِمِينَ﴾ .
عن الصادق عليهالسلام ، في تأويل الآية : « أذن في هلاك بني اميّة بعد إحراق زيد بسبعة أيّام » (٢).
﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ
حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (٥٣)﴾
ثمّ بيّن الله تعالى سوء عاقبة المنافقين المتعذّرين بقوله : ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ لليهود عند ظهور ندامة المنافقين تعجّبا أو تعريفا ﴿أَ هؤُلاءِ﴾ المنافقون هم ﴿الَّذِينَ أَقْسَمُوا﴾ وحلفوا ﴿بِاللهِ﴾ لكم ، حال كونهم يجهدون ﴿جَهْدَ أَيْمانِهِمْ﴾ ويبالغون في تغليظها ﴿إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ﴾ بالنّصرة والمعونة ، فلمّا ظهرت شوكة الإسلام ودولته بحيث لا يرجى لغيره دولة ، وذلّت رقابكم للمؤمنين ﴿حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ﴾ وبطلت مساعيهم في حفظ موالاة أعداء الله ﴿فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ﴾ مغبونين بتحمّل المشاقّ وعدم الثّمرة ، واستحقاق القتل والهوان في الدّنيا والعذاب في الآخرة.
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٣ : ٤٩ ، تفسير روح البيان ٢ : ٤٠٣.
(٢) تفسير العياشي ٢ : ٥٤ / ١٢٩٣ ، تفسير الصافي ٢ : ٤٢.