كانُوا﴾ في الدّنيا ﴿يَصْنَعُونَ﴾ من السّيّئات.
وفيه أشدّ الوعيد ، وإنّما عبّر عن العمل بالصّنع ، للإيذان برسوخهم في ذلك.
قضية بولس وافساده دين النصارى
قيل : الذي ألقى العداوة بين النّصارى [ رجل ] يقال له بولس ، فإنّه كان بينه وبين النّصارى قتال ، قتل منهم خلقا كثيرا ، فأراد أن يحتال حيلة يلقي بينهم القتال ، فجاء إلى النّصارى وجعل نفسه أعور وقال لهم : ألا تعرفونني ؟ فقالوا : أنت الذي قتلت ما قتلت منّا ، وفعلت ما فعلت ، فقال : فعلت ذلك كلّه ، والآن تبت لأنّي رأيت عيسى في المنام نزل من السّماء فلطم وجهي لطمة فقأ عيني ، فقال : أيّ شيء تريد من قومي ؟ فتبت على يديه ، ثمّ جئتكم لأكون بين ظهرانيكم ، واعلّمكم شرائع دينكم كما علّمني عيسى في المنام ، فاتّخذوا له غرفة ، فصعد تلك الغرفة ، وفتح كوّه إلى النّاس في الحائط ، وكان يتعبّد في الغرفة ، وربّما كانوا يجتمعون إليه ويسألونه ويجيبهم من تلك الكوّة ، وربّما يأمرهم بأن يجتمعوا ويناديهم من تلك الكوّة ويقول لهم بقول كان منكرا في الظّاهر ، وينكرون عليه ، فكان يفسّر ذلك القول تفسيرا يعجبهم ذلك ، فانقادوا كلّهم له ، وكانوا يقبلون قوله بما يأمرهم به.
فقال يوما من الأيام : اجتمعوا عندي فقد حضرني علم ، فاجتمعوا فقال : أ ليس خلق الله الأشياء في الدّنيا كلّها لمنفعة ابن آدم ؟ قالوا : نعم ، فقال : لم تحرّمون على أنفسكم هذه الأشياء - يعني : الخمر والخنزير - وقد خلق لكم ما في الأرض جميعا ، فأخذوا قوله فاستحلّوا الخمر والخنزير.
فلمّا مضى على ذلك أيّام دعاهم وقال : حضرني علم فاجتمعوا ، فقال : من أيّ ناحية تطلع الشّمس ؟ فقالوا : من قبل المشرق. فقال : من أيّ ناحية يطلع القمر والنّجوم ؟ فقالوا : من قبل المشرق ، فقال : ومن يرسلهم من قبل المشرق ؟ قالوا : الله تعالى ، فقال : فاعلموا أنّه تعالى في قبل المشرق ، فإن صلّيتم له فصلّوا إليه. فحوّل صلاتهم إلى المشرق ، فلمّا مضى على ذلك أيّام دعا بطائفة منهم وأمرهم بأن يدخلوا عليه في الغرفة ، وقال لهم : إنّي اريد أن أجعل نفسي قربانا اللّيلة لعيسى ، وقد حضرني علم فاريد أن اخبركم في السّرّ ، لتحفظوا عنّي وتدعوا النّاس إلى ذلك بعدي.
ويقال أيضا : إنّه أصبح يوما وفتح عينه الاخرى ثمّ دعاهم وقال : جاءني عيسى اللّيلة وقال : قد رضيت عنك ، فمسح يده على عيني فبرئت ، والآن اريد أن أجعل نفسي قربانا له.
ثمّ قال : هل يستطيع أحدكم أن يحيي الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص إلّا الله تعالى ؟ فقالوا : لا ، فقال : إنّ عيسى قد فعل هذه الأشياء ، فاعلموا أنّه هو الله تعالى ، فخرجوا من عنده ، ثمّ دعا بطائفة اخرى فأخبرهم بذلك أيضا وقال : إنّه كان ابن الله ، ثمّ دعا بطائفة اخرى وأخبرهم بذلك أيضا وقال :