ثمّ بالغ في تقرير قدرته وغناه بقوله : ﴿وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ﴾ لا يخرج عن سلطانه شيء ، وهو مدبّر امور الكائنات ﴿وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً﴾ ومدبّرا للامور.
قيل : إنّ الله تعالى بتكرار قوله : ﴿وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ﴾ إلى آخره ثلاث مرّات ، قرّر ثلاثة امور : فبالمرّة الاولى قرّر سعة جوده وكرمه وحكمته في أفعاله وأحكامه. وبالمرّة الثانية قرّر غناه عن إيمان الخلق وطاعتهم وتقواهم ، وعدم تضرّره بكفر الكافرين وعصيان العاصين. وبالمرّة الثالثة قرّر كمال قدرته مقدّمة للتّهديد (١) بقوله : ﴿إِنْ يَشَأْ﴾ الله ﴿يُذْهِبْكُمْ﴾ ويفنيكم عن وجه الأرض ﴿أَيُّهَا النَّاسُ﴾ بالمرّة بحيث لا يبقى منكم أثر ﴿وَيَأْتِ﴾ مكانكم ﴿بِآخَرِينَ﴾ من جنسكم ﴿وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ﴾ الإعدام والإيجاد ﴿قَدِيراً﴾ مقتدرا ، لا يمنعه عن إنفاذ إرادته شيء.
روي أنّه لمّا نزلت الآية ضرب النبيّ صلىاللهعليهوآله يده على ظهر سلمان رضى الله عنه وقال : « هم قوم هذا » يعني عجم الفرس (٢) .
وروي أنّه لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنّه يشرك به ويجعل له الولد ثمّ هو يعافيهم ويرزقهم(٣) .
﴿مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً
بَصِيراً (١٣٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد التّهديد والتّرهيب على الكفر وترك التّقوى ، رغّب النّاس في الإيمان والطّاعة بقوله : ﴿مَنْ كانَ﴾ بعمله ﴿يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا﴾ وأمتعتها الفانية فليقم إلى طاعة الله ﴿فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ﴾ فإنّ العاقل لا يقنع بالقليل الفاني ، مع تمكّنه من الكثير الباقي ﴿وَكانَ اللهُ سَمِيعاً﴾ لأقوالكم ﴿بَصِيراً﴾ بأعمالكم وضمائركم ، فليثيبنّكم على قدر طاعتكم وخلوص نيّتكم.
عن الصادق ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهمالسلام ، قال : « كانت الحكماء والفقهاء إذا كاتب بعضهم بعضا كتبوا بثلاث ليس معهنّ رابعة : من كانت الآخرة همّته كفاه الله همّه في الدّنيا ، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين النّاس » (٤) .
وعن الصادق عليهالسلام : « الدّنيا طالبة ومطلوبة ، فمن طلب الدّنيا طلبه الموت حتّى يخرجه منها ، ومن طلب الآخرة طلبته الدّنيا حتّى توفيه رزقه » (٥) .
__________________
(١) تفسير الرازي ١١ : ٧٠.
(٢) مجمع البيان ٣ : ١٨٧ ، تفسير الصافي ١ : ٤٧١.
(٣) تفسير روح البيان ٢ : ٢٩٩.
(٤) الخصال : ١٢٩ / ١٣٣ ، تفسير الصافي ١ : ٤٧١.
(٥) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٩٣ / ٨٨٣ ، تفسير الصافي ١ : ٤٧١.