قال الله : ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ﴾ الآية » (١) .
﴿وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ
أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (١٠١)﴾
ثمّ لمّا كانت الهجرة مستلزمة للسّفر أو الخوف ، بيّن الله حكم الصّلاة فيهما بقوله : ﴿وَإِذا ضَرَبْتُمْ﴾ وسافرتم ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ للهجرة أو لغيرها من الأغراض المحلّلة ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ﴾ وحرج في ﴿أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ﴾ بتنصيف رباعيّاتها ، وترك نوافل ما قصر منها ، وكذا ﴿إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ويلقوكم بالمكروه ، فلا جناح عليكم في التّقصير في الصّلاة.
وإنّما عبّر سبحانه عن وجوب التّقصير بنفي الجناح ، لدفع توهّم النّاس فيه ، حيث إنّ الأذهان كانت مألوفة بالإتمام ، كما عبّر عن وجوب السّعي (٢) به لذلك.
وإنّما ذكرنا ( وكذا إن خفتم ) (٣) لثبوت كون كلّ من السّفر والخوف علّة مستقلّة لوجوب التّقصير ، وعدم اشتراط علّيّة كلّ [ منهما ] بوجود الآخر.
وقيل : إنّ اشتراط القصر في السّفر بالخوف مبنيّ على الغالب من أسفار النبيّ صلىاللهعليهوآله ، حيث لم يكن في الغالب خاليا عن الخوف ، فلا مفهوم للشّرط هنا.
والحقّ أنّ ظاهر الآية تعليق القصر على وجود الخوف الدّالّ على انتفائه عند انتفائه ، إلّا أنّه ثبت بالنّصّ والفتوى عدم إرادة التّعليق ، وكون كلّ من السّفر والخوف سببا مستقلّا له (٤) .
في صلاة السفر
عن زرارة ، ومحمّد بن مسلم قالا : قلنا لأبي جعفر عليهالسلام : ما تقول في الصّلاة في السّفر ، كيف هي ، وكم هي ؟ فقال : « إنّ الله يقول : ﴿وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ﴾ فصار التّقصير (٥) واجبا كوجوب التّمام في الحضر » .
قالا : قلنا له : قال الله تعالى : ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ﴾ ولم يقل ( افعلوا ) ، فكيف أوجب ذلك كما أوجب التّمام في الحضر ؟ فقال عليهالسلام : « أو ليس [ قد ] قال الله عزوجل : ﴿إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما﴾(٦) ، ألا ترون أنّ الطّواف بهما واجب
__________________
(١) تفسير العياشي ١ : ٤٣٥ / ١٠٩٧ ، تفسير الصافي ١ : ٤٥٥.
(٢) كذا ، والصواب : وجوب الطواف ، وذلك في الآية (١٥٨) من سورة البقرة ، راجع : تفسير أبي السعود ٢ : ٢٢٥ ، وتفسير روح البيان ٢ : ٢٧٣ ، والحديث الآتي لاحقا عن أبي جعفر عليهالسلام.
(٣) هذه إشارة إلى عبارة المصنف المتقدمة آنفا في تفسير الآية.
(٤) راجع كنز العرفان ١ : ١٨٥ / ٢.
(٥) زاد في تفسير العياشي : في السفر.
(٦) البقرة : ٢ / ١٥٨.