لما تقتضيه عدة قرائن حالية ومقالية ، تمّ تناولها في أبحاث التفسير (١) ، ترجع نهايتها :
إما إلى مناسبات الحكم والموضوع ، حيث إن السؤال أو الطلب من إبراهيم عليهالسلام لإمامة ذريته إنّما يتناسب مع سؤال أو طلب الإمامة للمؤمن من ذريته ، وحين يأتي النفي لوصول العهد إلى الظالم فهو نفي للظالم المؤمن ، وهذا يدل على النقاء المطلق.
أو إلى أنّ طبيعة هذه الهداية الربانية العملية التي تكون بأمر الله تعالى وباصطفائه وجعله ، إنّما تناسب الإنسان الذي يكون سعيدا ومهتديا بذاته ، دون أن يكون بحاجة إلى هداية غيره ، وهذا يعني بلوغ درجة العصمة العالية التي تؤهله لهذه الهداية.
أو أن هذا الجعل الإلهي للإمامة والهداية الخاصة بعد الابتلاء والامتحان ، إنّما يتناسب مع هذا المستوى العالي الراقي من التكامل الإنساني ، والذي تمّ تأكيده بقوله تعالى : (... لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
الرابع : أنّ الإمامة هي مرتبة عالية أعلى من درجة النبوة التي كان عليها إبراهيم عليهالسلام عند مخاطبته بهذا الجعل الإلهي ، كما يبدو ذلك من بعض القرائن القرآنية من مخاطبته بها بعد الابتلاء والامتحان ، وهو ما تحقق بعد النبوة ، ومن سؤال أو طلب الإمامة لذريته ، ولم تكن له ذرية إلّا في آخر عمره.
وهو ما تشير إليه الآيات الكريمة التي تحدثت عن الأنبياء السابقين ، من أنّ هذا الجعل كان بعد نبوتهم ، وما تنص عليه بعض الروايات عن أهل البيت عليهمالسلام ، مثل ما رواه الكافي عن الصادق عليهالسلام : «إنّ الله عزوجل اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن
__________________
(١) يمكن مراجعة بحث هذه الآية في كتاب الميزان ١ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ، للعلّامة الطباطبائي قدسسره.