وخليفةً وبخبخ له قادتُهم وزعماؤهم المزعومون ، أمسى بين ظهرانيهم ـ ولسبعين سنةً ـ مشتوماً على أفواه وعّاظ السلاطين.
فمنذ ذلك الوقت المبكّر لغياب حامل الرسالة المصطفى(صلى الله عليه وآله) أصبحت فضائل أهل بيته من أشدّ المحظورات المهلكة التي يلزم على الجميع اجتنابها واجتناب تدوينها ، بل روايتها مطلقاً.
وكانت الانطلاقة الأولى لهذه الهجمة العشواء متمثّلةً بنهي الخليفة الثاني عن تدوين الحديث الشريف بذرائع شتّى ، ولا يخفى أنّ مناقب أهل البيت وفضائلهم كان لها الحظُّ الأوفر من بين تلك الأحاديث الشريفة المنهىّ عنها ، فكانت الوسيلة الوحيدة لتحجيم فضائل العترة الطاهرة آنذاك هو النّهي عن تداول الحديث على الإطلاق وإن كان في ذلك ضياع للشريعةِ الغرّاءِ.
وهكذا مروراً بمعاوية الذي كتب إلى الآفاق : «برئت الذمّة ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته»(١).
ونزولاً إلى الحكّام المتعسّفين الذين أخذوا يتفنّنون باضطهاد أهل البيت وأتباعهم ومن روى شيئاً بحقّهم.
ومن الغريب والملفت للنظر أن تصل قصاصات الجلد وجذاذات الورق وهي تحمل في طيّاتها مناقب أهل بيت الرحمة وفضائلهم.
فوا عجباً ، كيف تسنّى لهذه المحظورات أن تشقّ جدار الزمن القاهر وتخترق أبواب السلاطين الظلمة الذين سعوا جاهدين لإزالة ما تبقّى من آثارهم ومناقبهم؟!
وكيف تسنّى لها أن تصل إلينا بعد أن قطعت مسافة ألف وأربعمائة سنة من القهر والحرمان ، مجتازةً حقول الألغام التي لا تُبقي ولا تذر؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١١ / ٤٤.