وهم بعد ما
أثبتوا لله تعالى الصّفات الثّبوتيّة والصّفات السّلبيّة وانقسموا الصّفات
الثّبوتيّة إلى قسمين : صفات ثبوتيّة قائمة بالذّات وصفات ثبوتيّة باعتبار فعل من
أفعاله مثل الرّازقيّة والخالقيّة ، فاختار المعتزلة أنّ التكلّم لما كان حادثا
فلا بدّ وأن يكون من صفات الفعل لا من صفات الذّات لأنّ التكلّم متجدّد الذّات لا
يعقل كونه قديما وذهب الأشاعرة إلى أنّ التكلّم كسائر الصّفات الذّاتيّة ثابتة
للذّات قائمة بها ويكون قديما في عداد القدماء الثّمانية فتكون القدماء تسعة ،
فاشتعل العراك بينهم مستدلّا للنّفي والإثبات. واستدلّ الأشعريّ لمذهبه بأنّ
الكلام اللّفظيّ وإن كان حادثا ويكون من صفات الفعل إلّا أنّ المراد بالكلام ليس
هذا التّلفظ فقط بل للنّفس أيضا كلام يدلّ عليه الكلام اللّفظيّ : «فإنّ الكلام
لفي الفؤاد وإنّما جعل اللّسان على الفؤاد دليلا.» مثل دلالة المعلول على علّته
وهكذا الأمر بالقياس إلى الصقع الرّبوبيّ والمشهد الإلهيّ جلّت عظمته فما يكون
مدلولا لكلامه اللّفظيّ مثل ساير صفاته الكماليّة الذّاتيّة قديم أزلىّ وإن كان الدّالّ
عليه حادثا ويكون من صفات الفعل دون الذّات. هذا ، وردّ عليه المعتزلة بأنّ الكلام
لا نعني به إلّا الكيف المسموع وهو من تكيّفات التّنفس الخارج عن جهازات التّنفّس
وهو لا يعقل أن يكون من صفات الذّات القديم الأزليّ حيث إنّه غير قارّ الذّات
قائمة بالذّات بنحو القيام الصّدورى لا الحلوليّ وإنّما أطلق المتكلّم على الله
تعالى لإيجاده الكلام في جسم من الأجسام كشجرة موسى على نبيّنا وآله وعليه الصّلاة
والسّلام.
وأمّا في صقع
النّفس الانسانيّ فليس بالوجدان صفة أخرى غير ما هو المشهور المسلّم عليه كي تكون
هي الكلام النّفسي حتّى يصحّ أن يقال مثله في حقّ الله تعالى بمقتضى الرّواية
المعروفة «من عرف نفسه فقد عرف ربّه». فإنّه لا يخلو إمّا أن يكون الكلام من الجمل
الإخباريّة أو من الجمل الإنشائيّة بقسميه من الأمر والنّهي.
أمّا إذا كان
من الإخباريّات فلا يكون في النّفس بالوجدان شيء غير العلم بالمخبر عنه والمخبر به
والنّسبة بينهما وقد فرضتم الكلام النّفسي غير العلم. وأمّا إذا كان من قبيل