المفهوميّة بمعنى أنّ كلّ مفهوم من المفاهيم لا يكاد يحكي الّا عن حيثيّة ذاته مثلا مفهوم الإنسان لا يحكي إلّا عن أفراد الإنسان بما هو إنسان فكلّما هو إنسان يكون معنونا بهذا العنوان والعنوان يحكي عنه لأنّه مرآته.
وعلى هذا فلا يعقل جعل مفهوم واحد من المفاهيم مع واحدته وبساطته عنوانا ومرآة لملاحظة الحقائق المضافة كجعل مفهوم الإنسان عنوانا للإنسان العالم لأنّ حيثيّة العلم خارج عن مفهوم الإنسان فكيف يعقل أن يحكي الإنسان بما هو إنسان عن الإنسان العالم؟
ومن جملة المفاهيم المعاني الحرفيّة فإنّ كلّ لفظ من ألفاظ الحروف تدلّ على معناه ومعناه من سنخ المفاهيم والمفاهيم كلّها متباينات في حدّ المفهوميّة فلا يمكن أن يكون المفهوم الحرفيّ مع بساطته وواحدته حاكيا عن الجزئيّات المضافة إلى الغير إذ الإضافة والمضاف إليه كلاهما خارجان عن المفهوم ولا يعقل حكاية المفهوم عنهما ولعلّ هذا الوجه هو الّذي أشار اليه صاحب الكفاية بقوله : وهو كما ترى. كلّ ذلك ليس مرادنا بالخصوصيّة الّتي ندّعيها في موضوع له الحروف بل مرادنا بخصوصيّة الموضوع له هو أنّ المعاني الحرفيّة هي مصاديق الرّبط وما بالحمل الشّائع ربط أي السّير الخارجيّ إذا لوحظ في الذّهن على ما هو في الخارج لا بما هو موجود في الذّهن فلا محالة يكون منقطع الطّرفين بالبصرة والكوفة كما هو منقطع الطّرفين في الوجود الخارجيّ فنفس انقطاع طرفي السّير إذا لوحظ في الذّهن يكون معنى من وإلى لا بما هو انقطاع موجود في الذّهن حتّى لا يصدق على الخارج بل بما هو سير حاك عن السّير الواقع في الخارج وبذلك تصير المعاني الحرفيّة جزئيّا حقيقيّا يمتنع صدقها على كثيرين.
إن قلت : هذا صحيح في قضيّة سرت من البصرة إلى الكوفة وأمّا في قضيّة سر من البصرة إلى الكوفة ، فابتداء السّير وانتهاؤه كلّيّ يقبل الصّدق على كثيرين إذ السّير المأمور به من أيّ نقطة من نقاط البصرة إلى الكوفة وقع وبأيّ نقطة من نقاط الكوفة وصل يصدق على المامور أنّه سار من البصرة إلى الكوفة وعلى المأمور به أنّه سير من البصرة إلى الكوفة