بل يكون المكلّف معذورا حين الجهل وعلى كلا التّقديرين يكون إثبات أحد الوجهين موقوفا على لسان الأدلة من الأصول والأمارات. والّذي يستفاد في نظرنا أنّ الدّليل يقتضي ويدلّ على أنّ الإتيان بهذا العمل إتيان بالمأمور به حقيقة في ظرف الشّكّ وأنّ المأمور به في هذا الظّرف هو العمل الخالي من الجزء أو الشّرط أو الواجد للمانع.
أمّا قاعدة التّجاوز فليس لسانه إلّا أنّه إذا شككت في شيء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء أو كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو. وهكذا الحال في لسان أدلّة الاستصحاب فإنّ معنى لا تنقض اليقين بالشّكّ ، هو أنّ الطهارة الكذائيّة هي الطهارة المأمور بها في ظرف الشكّ وأنّ الإتيان بالفعل الّذي كان شرطه أو جزءه أو عدم مانعة استصحابيّا إتيان بما هو المأمور به وأنّ من كان يصلّي من أوّل عمره إلى آخره بالطّهارة الاستصحابيّة مع عدم كشف خلافه فرضا يصدق عليه أنّه صلّى حقيقة بالصّلاة المأمور بها ولو مع عدم كونه طاهرا واقعيّا ، لا أنّه ما صلّى في عمره أصلا وهكذا الكلام في حديث الرّفع فإنّ لسانه أيضا مشعر كمال الإشعار بعدم لزوم ما هو مشكوك الجزئيّة والشّرطيّة أو مشكوك المانعيّة في الأقلّ والأكثر الارتباطيّ مع حفظ المأمور به بمقدار المعلوم المتيقّن وإجراء البراءة في المشكوك. فلسان كلّها إنّما هو تعيّن المأمور به في ظرف الشّكّ من دون أن يكون في شيء من هذه الأدلة إشعار برفع التّكليف عن المكلّف الشّاكّ أصلا وجعله معذورا في صورة جهله ، بل كلّها ظاهرة في توسعة التّكليف مع حفظ المأمور به. وهذا البيان في لسان قاعدة الحليّة والطّهارة أوضح من أن يخفى فإنّ كلّ شيء طاهر أو كلّ شيء حلال لا يقول إنّ الصّلاة مع اللّباس المشكوك طهارته ليس بصلاة وأنت غير آت بالمأمور به بل يقول إنّك تعبّد بطهارة ثوبك في حال الجهل ومعناه أنّه صلّ معه كما تصلّي في الثّوب الطّاهر الواقعيّ وهذا في الشّبهة الموضوعيّة أوضح من أن يخفى.
وأمّا في الشّبهة الحكميّة فكذلك أيضا فإنّ دليل رفع الجزئيّة والشّرطيّة والمانعيّة ، إنّما هو بلسان الحكومة وتوسعة دائرة الطّبيعة المأمور بها كما أشرنا إليه في جريان البراءة