(وَالَّذِينَ هاجَرُوا) فارقوا الأوطان والعشائر (فِي سَبِيلِ اللهِ) فى طلب مرضاته (ثُمَّ قُتِلُوا) فى الجهاد قرأ ابن عامر قتّلوا بالتشديد من التفعيل للتكثير والمبالغة والباقون بالتخفيف (أَوْ ماتُوا) حتف أنوفهم (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ) اى والله ليرزقنهم الله في الجنة (رِزْقاً حَسَناً) اى نعيمها الّتي لا تنقطع فلا مثل لها (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (٥٨) فانه يرزق بغير حساب. (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ) اى الجنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر ببال البشر (وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ) بأحوالهم واحوال معانديهم (حَلِيمٌ) (٥٩) لا يعاجل في العقوبة. (ذلِكَ) اى الأمر ذلك او ذلك حق او تحقق ذلك او عرفت ذلك الّذي قصصنا عليك (وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) اى جازى الظالم بمثل ما ظلم به عليه اطلق لفظ العقاب الّذي هو الجزاء على ابتداء الظلم للازدواج او للمشاكلة (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ) بالمعاودة على الظلم (لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) لا محالة (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (٦٠) للمنتصر حيث اتبع هواه في الانتقام واعرض عما ندب الله اليه بقوله ولمن صبر وغفر ان ذلك لمن عزم الأمور ـ وفيه تعريض بالحث على المغفرة فانه تعالى مع كمال قدرته وعلو شأنه لما كان يعفو ويغفر فغيره بذلك اولى وتنبيه على انه قادر على العقوبة إذ لا يوصف بالعفو الا القادر على العقوبة ـ قال البغوي قال الحسن قوله تعالى (وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) معناه قاتل المشركين كما قاتلوه ثم بغى عليه اى ظلم بإخراجه من منزله وقيل نزلت الآية في قوم من المشركين أتوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فكره المسلمون قتالهم وسألوهم ان يكفوا من القتال من أجل الشهر الحرام فابى المشركون وقاتلوهم فذلك بغيهم عليهم وثبت المسلمون فنصروا عليهم ـ قلت فعلى هذا قوله (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ) عن المؤمنين (غَفُورٌ) لهم في قتالهم في الشهر الحرام واخرج ابن ابى حاتم عن مقاتل نحوه. (ذلِكَ) النصر (بِأَنَّ اللهَ) قادر على كل شيء وقد جرى عادته