قلبه بغير الله سبحانه ولا يسع فيه محبة أحد من الخلائق ـ فما بال يعقوب عليهالسلام وهو من الأنبياء الكبار والمصطفين الأخيار اولى الأيدي والابصار ـ قد شغفه حب يوسف عليهالسلام الكريم حتّى ابيضت عيناه من البكاء عليه وهو كظيم ـ وما قيل ان العالم بأسرها مجال ومرايا لله سبحانه ـ فاشتغال قلبه بيوسف اشتغال به تعالى على الحقيقة ـ فذلك قول فى غلبة التوحيد لاهل الابتداء او التوسط ويستنكف عنه اهل الانتهاء فكيف الأنبياء عليهمالسلام ـ ولو كان كذلك فلا وجه حينئذ لتخصيص تعلق الحب بيوسف عليهالسلام دون غيره ـ والجواب عن الاشكال ان هذا مختص بالنشأة الدنيوية يعنى لا يمكن اشتغال قلب الصوفي بعد الفناء بشيء من الأشياء الدنيوية واما الأشياء الاخروية فليس هذا شأنها ـ فان النبي صلىاللهعليهوسلم قال الدنيا ملعونة وملعون ما فيها الا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما ـ رواه ابن ماجة عن ابى هريرة والطبراني عن ابن مسعود بسند صحيح والبزار عن ابن مسعود نحوه والطبراني بسند صحيح عن ابى الدرداء ـ بخلاف الاخرة فانها مرضية لله تعالى وتعلق القلب بها مرضى لله تعالى قال الله تعالى (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) ـ يعنى اولى القوة فى طاعة الله والبصارة فى معرفة الله تعالى وأحكامه ـ (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) ـ اى جعلناهم خالصين بخصلة خالصة لا شوب فيها هى ذكر الدار الاخرة ـ قال مالك بن دينار نزعنا من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصناهم بحب الاخرة وذكرها ـ وجعلنا الاخرة مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون ـ واطلاق الدار على الاخرة للاشعار بانها الدار على الحقيقة والدنيا معبر ـ هذه الاية صريح فى ان الاخرة مرضية لله تعالى وحبها وما فيها موجب للمدح ـ وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم قيل لى يعنى فى المنام سيد بنى دارا وصنع مأدبة وأرسل داعيا ـ فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضى عنه السيد ـ ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة وسخط عليه السيد ـ قال فالله السيد ومحمّد داعى والدار الإسلام والمأدبة الجنة ـ رواه الدارمي عن ربيعة الجرشى ـ وهذا غاية معرفة الأكملين لم يطلع عليها المتوسطون (١) فضلا عن اهل الابتداء والعوام ـ ولو كانت رابعة البصرية مطلعة على ذلك لما قالت أريد ان احرق الجنة كيلا يعبد الناس الله تعالى لاجلها ـ الم تسمع قوله تعالى (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ)
__________________
(١) فى الأصل المتوسطين ـ