اعتبارها مطلقا حتّى مع التمكّن من العلم كما هو المصرّح به في كلمات بعضهم فلو لم يكن اعتبار الأخبار لأجل تضمّنها لمصلحة أخرى سوى مصلحة الطريقية قبح من الشارع الرّخصة في العمل بها مع التمكّن من الوصول إلى الواقع على سبيل العلم لاستلزامه تفويت مصلحة الواقع على المكلّف على تقدير تخلف الدّليل الظنّي عنه وهو قبيح على الشّارع الحكيم وثالثها التمسّك بإطلاق أدلّة اعتبارها لإثبات اعتبار المتعارضين منها من حيث هو إذ لا يتم ذلك إلاّ على القول بالسّببيّة كما أشار إليه المصنف رحمهالله ولكن لا يحضرني في كلماتهم الآن من تمسّك بالإطلاقات هنا فليلاحظ ويشهد بالثّاني أيضا وجهان أحدهما التعليل في آية النبإ ووجه الدّلالة واضح وثانيهما أخبار التّرجيح وعلاج المتعارضين لأنّ التّرجيح بالأعدليّة والأوثقيّة ونحوهما لا يقصد به إلاّ كون خبر الأعدل والأوثق أقرب إلى الواقع من خبر العادل والموثوق به هذا كلّه بالنّظر إلى طريقتهم والأخذ بمجامع كلماتهم وأمّا على ما هو التحقيق في مبحث الأخبار وفاقا للمصنف رحمهالله الأستاذ أعلى الله في الخلد مقامه من كون الحجّة منها ما كان موثوقا بالصّدور من دون خصوصيّة لخبر العدل أو غيره من المذاهب فنقول إنّ مقتضى القول باعتبار الأخبار من باب الوثوق بالصّدور وإن كان اعتبارها من باب المرآتية إلاّ أنّ ذلك لا ينافي أن يعتبر الشّارع في الوثوق جهتي الكشف والسّببيّة معا بأن كانت فيها مضافا إلى مصلحة الطّريقية مصلحة أخرى يتدارك بها مصلحة الواقع على تقدير تخلفها عنه كما هو مقتضى الجمع بين اعتبارها مطلقا حتّى مع التمكّن من العلم وبين التّعليل في آية النّبإ والأخبار العلاجيّة كما أشرنا إليه ومن هنا يصحّ لنا التمسّك بإطلاق أدلّة اعتبارها من باب الوثوق بالصّدور لإثبات التخيير بين متعارضاتها ولا يرد عليه أنّ مقتضى هذا القول هو القول باعتبارها من باب المرآتية ومقتضاه التّساقط دون التخيير كما تقدّم ومع التّسليم فأخبار التخيير في صورة تعادل الخبرين المتعارضين تثبت هنا أصلا ثانويا غاية الأمر أن يكون هذا ثابتا على خلاف الأصل والقاعدة فيكون مقتضى الأصل الأولي العقلي هو التّساقط ومقتضى الأصل الثانوي الشرعي هو التخيير ولا غائلة فيه كما أشار إليه المصنف رحمهالله قدسسره العزيز (تجديد مقال وتوضيح حال) اعلم أنّ صريح كلام المصنف رحمهالله ابتناء الكلام في الخبرين المتعارضين المتعادلين من حيث الحكم بالتخيير أو بالتّساقط والرّجوع إلى الأصل الموافق بحسب الأصل والقاعدة مع قطع النظر عن الأخبار الواردة عن العترة الطاهرة على الكلام في الواجبين المتزاحمين أو الطريقين المتمانعين مع عدم أهمية أحد الأولين وعدم قوّة أحد الأخيرين وأنّ الكلام فيهما جزئي من جزئيات الكلام في حكم الأخيرين فالأولى صرف الكلام تارة إلى بيان أن ما نحن فيه من أيّ القبيلين وأخرى إلى بيان حكم الواجبين المتزاحمين مع عدم أهمية أحدهما وثالثة إلى بيان حكم الطريقين المتدافعين مع عدم قوّة إحداهما وقد عرفت الكلام في الأوّل وأمّا الثّاني فاعلم أنّ مقتضى الأصل في امتثال كلّ واجبين متزاحمين سواء كانا مندرجين تحت عنوان واحد ومستفادين من دليل واحد كأنقذ الغريقين أو أطفئ الحريقين أم كان كلّ واحد منهما مندرجا تحت عنوان ومستفادا من دليل كأنقذ وأطفئ هو التخيير في الإتيان بأيّ منهما أراد مع مساواتهما وعدم أهمية أحدهما في نظر الشّارع بحيث يستحقّ العقاب على مخالفة كلّ منهما كما في كلّ واجب تخييري لأنّ ظاهر دليل اعتبارهما وإن كان وجوب العمل بكلّ منهما عينا إلاّ أنّ ذلك غير مراد يقينا وإلاّ لزم التكليف بما لا يطاق وإلاّ لم يكونا متعارضين وفرض تعارضهما دليل على عدم خروجهما أيضا من تحت عموم دليل اعتبارهما وإلاّ لم يكونا متعارضين إذ التعارض فرع اعتبارهما في أنفسهما فإن قلت نمنع كونهما متعارضين لاحتمال كونهما متساقطين لعدم المقتضي لاعتبارهما لاحتمال كونهما غير مرادين من دليل اعتبارهما قلت هذا خلاف الإجماع لإجماعهم كما تقدّم في كلام المصنف رحمهالله على انحصار المانع من العمل بهما في تمانعهما وتزاحمهما فلو لم يكن دليل اعتبارهما شاملا لهما كان عدم العمل بهما لعدم المقتضي لا لوجود المانع وكذا الحكم بالتخيير ليس لأجل استعمال دليل اعتبارهما فيه وإلاّ لزم استعماله في الوجوب العيني بالنسبة إلى غير محلّ التعارض وفي الوجوب التخييري بالنسبة إليه وهو غير جائز عند المحققين وعلى تقدير تسليم جوازه فهو من أخسّ مراتب الاستعمال بحيث تحتاج إرادته إلى قرينة وأمّا وجوب العمل بأحدهما الكلّي عينا في محلّ التّعارض كي يسري التخيير إلى فرديه عقلا فقد تقدّم بطلانه أيضا في كلام المصنف رحمهالله وبالجملة أنّ دليل اعتبار الواجبين في محلّ التعارض إمّا أن يراد به العمل بكلّ منهما عينا أو لا يراد به شيء منهما أصلا أو يراد به العمل على وجه التخيير شرعا أو عقلا والكلّ باطل على ما عرفت وبطلان الكلّ أيضا باطل لأنّ بطلان عدم إرادتهما منه أصلا وكذا بطلان إرادتهما منه يكشف عن كونهما مرادين منه من وجه وغير مرادين من وجه آخر فنقول حينئذ إنّهما مشمولان لدليل اعتبارهما بالذات كما هو مقتضى إطلاقه إلاّ أنّ العقل منع من إطلاق تنجز التكليف بالعمل بكلّ منهما عينا لأنّ وجوب امتثال جميع التّكاليف مشروط بالتمكن إلاّ أنّ عدم التمكّن لا يمنع شمول الخطاب لمورده إذ غايته عدم تنجز التكليف به لا عدم شموله له إذ فرق واضح بين شرائط المكلّف به وشرائط التكليف ووجوب امتثاله إذ انتفاء الأوّل يستلزم انتفاء المكلّف به بل وحسنه أيضا وانتفاء الثّاني إنّما يستلزم انتفاء نفس التكليف وحسنه لا حسن المكلّف به فبإطلاق المأمور به يستكشف عن وجود المصلحة في المأمور به مطلقا حتّى في مورد التعارض بأن كان كلّ من المتعارضين مشتملا على مصلحة تامة بحيث يجب الإتيان بكلّ منهما عينا لو فرض محالا إمكان ذلك فمع عدم إمكانه يجب العمل بهما تخييرا لأنّه نتيجة وجود المصلحة فيهما بحيث تقتضي تحتم العمل بكلّ منهما وعدم إمكان العمل بهما معا فإن قلت إنّ المصلحة المزاحمة بمثلها لا يكون منشأ لحكم قلت إن تزاحم المصلحتين إنّما يمنع من تعيّن مقتضي خصوص كلّ منهما ولذا لو أنّه اضطرّ إلى ارتكاب أحد فردي الكذب فكما أنّ الاضطرار لا يوجب جواز ارتكاب كلّ منهما كذلك تزاحم الواجبين لا يوجب جواز ترك كلّ منهما لأنّ الضّرورات إنّما تقدر بقدرها نعم لو كانت المصلحة في أحدهما أهمّ كانت أهميتها مانعة من تأثير الأخرى ولو في الوجوب التخييري وممّا قررناه يظهر الفرق بين مصلحة الوجوب التخييري هنا وبينها في غيره لأنّ المصلحة هنا