ترك لمكلّف عاص به كما في مسألة الضدّ الّتي مبناها أنّ الشّارع أراد الصّلاة من المكلّف وطلبها منه بعد عصيانه بترك الأمر المضيق الّذي هو إزالة النجاسة مثلا فهنا أيضا يأثم هذا الجاهل بترك التعلم والتفقه المأمور بهما كتابا وسنة إلا أنّه لو صلى بعد عصيانه في ذلك صحت صلاته للدّليل فتأمل انتهى وهو كما ترى بعيد عن كلام المرتضى في الغاية فتدبّر وكيف كان فحاصل ما ذكره كاشف الغطاء أنّ الممتنع هو الأمر بضدّين مطلقا في آن واحد وأمّا إن كان على وجه الترتب فلا استحالة فيه بأن كان الأمر بأحدهما مرتبا على تحقق العصيان بمخالفة الآخر فنقول فيما نحن فيه إنّ التكليف أوّلا بالذات إنما هو بالواقع وإذا عصى بمخالفته تحقق الأمر بما اعتقده من وجوب الإتمام في السّفر أو الجهر في موضع الإخفات أو بالعكس ونقول أيضا في مسألة الضدّ إن التكليف أولا وبالذات إنما هو بإزالة النجاسة وإذا عصى بمخالفته تعلّق الأمر بالصّلاة وهكذا يقال في جميع موارد الأمر بالضدّين ظاهرا وحاصل ما أورده عليه المصنف رحمهالله من عدم تعقّل ذلك أنّه إذا فرض ترتب الأمر بغير الأهم على مخالفة الأمر بالأهم فلا شك أن مخالفته لا تتحقق بمجرّد عزم على المخالفة إذ إطاعة الأوامر ومخالفتها ليستا دائرتين مدار الإرادة والعزم فمخالفة الأمر بالأهم في المضيقين لا تتحقق إلاّ بالشّروع في غير الأهم والفرض أنّ الشّروع فيه على وجه الإطاعة والامتثال الّذي هو فرع تحقق الأمر به لا يمكن إلاّ بعد تحقق مخالفة الأمر بالأهمّ قبله لفرض عدم تعلق الأمر بغير الأهم إلا بعد تحقق مخالفته فليس هنا زمان تفرض فيه مخالفة الأمر بالأهم حتّى يتحقّق الأمر فيه بغير الأهمّ ليمكن الشّروع فيه على وجه الإطاعة والامتثال ثمّ إن قضيّة الترتب لعلّه قد أخذها كاشف الغطاء من المحقق الثّاني وقد تبعه صاحب الفصول وأخوه صاحب الهداية وذيل الكلام في ذلك وسيع قد أشبعناه في مبحث الضدّ وقد طوينا الكشح عن إطالة الكلام فيها وما يرد عليها من وجوه الإشكال لخوف الإطالة (قوله) حتّى العقل إلخ لعل الوجه فيه أنّ عدم حكم العقل بالبراءة قبل الفحص في الشبهات الحكميّة إنما هو من جهة كون العمل بها قبل الفحص عن دليل الواقعة مع احتمال وجوده في الواقع وإمكان الوصول إليه بالفحص نوع تجرّ على مخالفة الشّارع نعم بعد الفحص والعجز عن الوصول إليه يحكم بعدم تنجز التكليف بالواقع لو كان لأجل قبح التكليف بلا بيان وهذا الوجه غير جار في الشبهات الموضوعيّة بناء على ما حققه في الشّبهة التّحريميّة الموضوعيّة من عدم كون الخطابات الواقعيّة دليلا على الشبهات الخارجة في نظر أهل العرف فوجود هذه الخطابات لا يمنع من العمل بأصالة البراءة في المصاديق الخارجة المشتبهة نعم لو كان العمل بها مستلزما للمخالفة الكثيرة كان هذا مانعا من العمل بها كما أشار إليه المصنف رحمهالله في ذيل كلامه لكونها في نفسها مع قطع النّظر عن مخالفة العلم الإجمالي قبيحة عند العقل وهذا أيضا هو الوجه في عدم جواز العمل بأصالة البراءة عند الانسداد أو الأغلبي كما تقدم في محلّه (قوله) لو كان هذا المقدار يمنع يعني أن العلم بالتكليف مع الشكّ في مقدار المكلّف به وتردد الأمر فيه بين الأقل والأكثر الاستقلاليين إن كان مانعا من إجراء أصالة البراءة قبل الفحص كان مانعا منه بعده أيضا إذ الفحص لا يزيل العلم الإجمالي مطلقا فمع عدم تبيّن الحال بعد الفحص لا بدّ من العمل بالاحتياط دون البراءة لوجود المانع بالفرض (قوله) ليس مبنيا على وجوب الفحص إلخ مع التّسليم لا يجب الفحص أيضا كما قدّمناه في بيان تقرير دلالة العقل فراجع (قوله) كما لا يجب الإعطاء أي والحال أنّه لا يجوز كما لا يجب فالمشبه هو عدم الجواز(قوله) وبعد الفحص عن حال المشكوك إلخ يعني أنّ الفحص إن كان واجبا وجب الإعطاء في المثال بعد الفحص والعجز عن العلم بالحال والمفروض أنّه غير واجب (قوله) إنّ وجوب التبين شرطي إلخ لا يذهب عليك أنّ الاستدلال بالآية على حجّية خبر العدل تارة بمفهوم الوصف كما هو ظاهر قول صاحب المعالم فيما نقله عنه المصنف ره هنا إن وجوب التثبت فيها متعلق بنفس الوصف إلى آخره وأخرى بمفهوم الشّرط وهي على الأوّل ظاهرة في كون الفسق سببا لوجوب التبين وعليه تكون الآية منساقة لبيان جواز العمل بخبر العادل من دون تبين وكون التبيّن شرطا في جواز العمل بخبر الفاسق وكون الفسق سببا لاشتراط ذلك فيه وعلى الثّاني تحتمل وجهين أحدهما أن يكون العدالة شرطا كما ذكره المصنف رحمهالله وعليه تكون الآية منساقة لبيان جواز العمل بخبر الواحد بشرط عدالته وكون التبيّن شرطا في جواز العمل بخبر الفاسق الثّاني أن يكون الفسق مانعا وعليه تكون الآية واردة لبيان جواز العمل بكل خبر إلاّ خبر الفاسق وكون التبين شرطا في جواز العمل بخبر الفاسق وعلى جميع التقادير تكون الآية منساقة لبيان حجّية خبر العادل من دون تبيّن وكون التبين شرطا في جواز العمل بخبر الفاسق لا كونه واجبا نفسيّا كما حققه عند الاستدلال بالآية على حجية خبر الواحد ومقتضاها على جميع هذه التقادير عدم جواز العمل بخبر مجهول الحال لا قبل الفحص ولا بعده مع عدم تبيّن الحال للشك في حجيّة خبره وهو في حكم العلم بعدمها كما ستعرفه فردّ خبره حينئذ من هذه الجهة لا من جهة ما ذكره صاحب المعالم كما ستقف عليه نعم ربّما يتوهّم على الوجه الأخير جواز العمل بخبره من دون فحص نظرا إلى كون الشكّ حينئذ في المانع فينفي بالأصل وفيه أنّ هذا الأصل إنّما يجري فيما علم عدم وجود المانع في زمان حتّى يستصحب لوضوح عدم إثبات عدم المانع المطلق لعدم المانع الخاص والمفروض في المقام خلافه إذ لا إشكال مع العلم بعدمه في السّابق ثمّ إنّ صاحب المعالم لمّا استند في إثبات عدم جواز العمل بخبر مجهول الحال إلى كون المقام من موارد قاعدة الاحتياط دون البراءة نقول في توضيح ما اعترض به عليه المصنف رحمهالله تأكيدا لما قدمناه إنّ وجوب الاحتياط هنا ليس من جهة أن تعليق حكم بوصف واقعي هو شرط في تحققه يوجب عدم جريان البراءة كيف لا ولو صح هذا لجرى في الشبهة التحريميّة الموضوعيّة أيضا إذ مع تردّد مائع بين كونه خمرا أو خلا يمكن أن يقال إنّ الحلية مشروطة بكون هذا الشيء خلا فلا بدّ من الاحتياط حتّى يحصل القطع بالبراءة بل من جهة أنّ الآية مسوقة لبيان شرطية العدالة في حجيّة خبر الواحد وكون التبيّن حينئذ شرطا في جواز العمل بخبر الفاسق ومرجعه إلى اشتراط قبول الخبر في نفسه من دون تبيّن بعدالة المخبر وعدم جواز العمل به مع فسقه إلاّ بشرط التبيّن عن حاله وحينئذ فمع الشكّ في العدالة يحصل الشكّ في الحجيّة ومع الشكّ فيها فالعقل يستقل بعدمها كما يستقل به مع الشكّ فيها ابتداء كما إذا شك في حجيّة خبر الواحد مطلقا مع القطع بعدم اشتراط حجّيته بشيء في الواقع على تقدير حجيته كذلك فالشكّ في الحجيّة ليس بمورد لأصالة البراءة مطلقا وإن قلنا بها في سائر موارد الشبهة الموضوعيّة وقد نبه المصنف رحمهالله على مثله عند الرّد على من تمسّك بأصالة الإباحة لإثبات حجيّة الظن (قوله) لكن الشأن في صدق إلخ لأنّ الغالب حصول العلم بالموضوع وجودا أو عدما من دون فحص واحتياج إليه فلا تلزم المخالفة الكثيرة حينئذ بالعمل بأصالة البراءة في الموارد الباقية المشكوك فيها(قوله) ففيه أنّه مسلم ولا يجدي إلخ لأنّ الأمر بالشيء إنّما يقتضي إيجاب ما لا يتم الواجب إلاّ به أعني المقدّمات الوجودية للمأمور به والعلم بوجود شرط الوجوب ليس من قبيلها ولذا يصح الحجّ من الجاهل