خلافا لبعضهم حيث منع من وقوعه وجعل ما عدّ منه من باب اختلاف الذّات والصّفة كالحيوان والماشى او اختلاف الصّفات كالمنشى والكاتب او اختلاف الصّفة وصفة الصّفة كالمتكلّم والفصيح ونحو ذلك واحتجّ بامرين احدهما انّ احد الوضعين مغن عن الآخر لحصول المقصود وهو الأفهام به فيكون عبثا فيمتنع صدوره عن الواضع الحكيم والثّانى انّه لو وقع فاللّفظ الثّانى تعريف لما عرف بالاول وهو محال للزوم تعريف المعرّف وتحصيل الحاصل والجواب امّا عن الحمل المذكور فبانه تعسّف ظاهر فى كثير من الموارد يأبى عنه كلماتهم فلا وجه لان يرتكب من غير ضرورة تلجأ اليه وامّا عن الاحتجاج الأوّل فبانّه انّما يتمّ اذا كان المقصود من الوضع الثّانى مجرّد التّفهيم وليس كذلك اذ قد يقصد به التّوسعة فى المحاورة وتيسّر التّفنّن فى المكالمة وموافقة الوزن والسّجع وتيسّر انواع البديع الى ذلك وامّا عن الثّانى فبانّ الوضع الثّانى ليس محصّلا لشخص التّعريف الحاصل بالاوّل بل لمثله كما فى الأسباب المتعدّدة ولا محذور فيه واعلم انّ ما ذكرناه انّما يتّجه بالنّسبة الى مطلق الألفاظ العربيّة او اللّغوية كما هو الظّاهر وامّا اذا كان بالنّسبة الى الألفاظ الّتى وضعها الواضع الاوّل فالّذى اوردناه فى معرض الأثبات لا ينهض دليلا عليه لأنّ نصّ اللّغويّين على ترادف بعض الألفاظ لا يقتضى ان يكون ذلك بحسب اصل اللّغة مع انّ الأصل تاخّر الحادث فصل : يعرف كلّ من الحقيقة والمجاز بعلامات مع سلامته عن المعارض وامّا عند التّعارض فان امكن الجمع تعيّن والّا فان كان التّعارض بين النّفى والأثبات تعيّن القول بالإثبات لأنّ مرجع الأثبات الى الاطلاع ومرجع النّفى الى عدم الاطّلاع غالبا والّا فالتّعويل على ما كان الظّن معه اقوى كالمعتضد بالشّهرة او باكثرية اطلاع نقلته او حذاقتهم او نحو ذلك ثمّ التّعويل على النّقل مقصود على الألفاظ الّتى لا طريق الى معرفة حقائقها ومجازاتها الّا بالنّقل وامّا ما يمكن معرفة حقيقته ومجازه بالرّجوع الى العرف وتتبّع موارد استعماله فلا سبيل الى التّعويل على النّقل (١) من قبل التّقليد وهو محظور عند التّمكن من الاجتهاد فالعدول عنه عدول عن اقوى الامارتين الى اضعفهما وهو باطل الثّانية : التّبادر وتبادر الغير فالأوّل علامة الحقيقة والثّانى علامة المجاز والمراد بالتّبادر ظهور اللّفظ المجرّد عن القرينة فى المعنى وانسباقه منه الى الفهم فلا يرد النّقض بالمجاز المحفوف بالقرينة لانّه اذا تجرّد عنها لم ينسبق معناه المجازى الى الفهم ولا فرق فى القرينة بين ان تكون شهرة او غيرها واشكل بانّ هذه العلامة دوريّة لتوقّف التّبادر على العلم بالوضع فلو توقف العلم بالوضع على التّبادر لزم الدّور والجواب : انّ ما يتوقّف عليه التّبادر انّما هو العلم بالوضع ولو اجمالا وما يتوقّف على التّبادر انّما هو العلم به تفضيلا على انّ ما يتوقف على علمنا بالوضع انّما هو نفس التّبادر واما علمنا بالتبادر فلا لامكان استفادته من تنصيص اهل اللّغة والتّتبع فى موارد استعماله لا يقال مجرّد التّبادر
__________________
(١) التنهاذ الى انّ التّعويل على النّقل