حكمة ذلك تنبيها [٣٢٣ ب] على أن الأهمّ السؤال عن ذلك لا ما سألوا عنه. كذا قال السكاكى ومن أتى بعده ، واسترسل التفتازانى فى الكلام إلى أن قال : ليسوا ممّن يطلع على دقائق الهيئة بسهولة.
وأقول : ليت شعرى من أين لهم أنّ السؤال وقع عن غير ما حصل الجواب به! وما المانع من أن يكون إنما وقع عن حكمة ذلك ليعلموها ، فإنّ نظم الآية محتمل لذلك ، كما أنه محتمل لما قالوه. والجواب ببيان الحكمة دليل على ترجيح الاحتمال الذى قلناه ، وقرينة ترشد إلى ذلك ؛ إذ الأصل فى الجواب المطابقة للسؤال ، والخروج عن الأصل يحتاج إلى دليل ، ولم يرد بإسناد لا صحيح ولا غيره أنّ السؤال وقع عما ذكروه ؛ بل ورد ما يؤيد ما قلناه ، فأخرج ابن جرير ، عن أبى العالية ، قال : بلغنا أنهم قالوا : يا رسول الله ، لم خلقت الأهلّة؟ فأنزل الله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) ، فهذا صريح فى أنهم سألوه عن حكمة ذلك لا عن كيفيته من جهة الهيئة ، ولا يظنّ ذو دين بالصحابة الذين هم أدقّ فهما ، وأغزر علما ، أنهم ليسوا ممن يطّلع على دقائق الهيئة بسهولة ، وقد اطلع عليها آحاد العجم الذين أطبق الناس على أنهم أبلد أذهانا من العرب بكثير. هذا لو كان للهيئة أصل معتبر ، فكيف وأكثرها فاسد لا دليل عليه.
وقد صنّفت كتابا فى نقض أكثر مسائلها بالأدلة الثابتة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذى صعد إلى السماء ورآها عيانا ، وعلم ما حوته من عجائب الملكوت بالمشاهدة ، وأتاه الوحى من خالقها ، ولو كان السؤال وقع عمّا ذكروه لم يمتنع أن يجابوا عنه بلفظ يصل إلى أفهامهم ، كما وقع ذلك لما سألوا عن المجرة وغيرها من الملكوتيات.
نعم المثال الصحيح لهذا القسم جواب موسى لفرعون حيث قال :