ولا يقال فى الإيتاء : أتانى فأتيت ؛ وإنما يقال آتانى فأخذت. والفعل الذى له مطاوع أضعف فى إثبات مفعوله من الذى لا مطاوع له ، لأنك تقول : قطعته فانقطع ، فيدلّ على أنّ فعل الفاعل كان موقوفا على قبول فى المحل ، لولاه ما ثبت المفعول. ولهذا يصح قطعته فما انقطع. ولا يصح فيما لا مطاوع له ذلك ؛ فلا يجوز ضربته فانضرب ، أو فما انضرب ، ولا قتلته فانقتل ولا فما انقتل ؛ لأن هذه أفعال إذا صدرت من الفاعل ثبت لها المفعول فى المحل ، والفاعل مستقلّ بالأفعال التى لا مطاوع لها ، فالإيتاء أقوى من الإعطاء.
قال : وقد تفكرت فى مواضع من القرآن فوجدت ذلك مراعى ؛ قال تعالى : ((١) تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) ؛ لأن الملك شىء عظيم لا يعطاه إلا من له قوة ، وكذا قوله : ((٢) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ). ((٣) آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) ؛ لعظم القرآن وشأنه : وقال : ((٤) إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) ؛ لأنه مورود فى الموقف مرتحل عنه قريبا إلى منازل العزّ فى الجنة ، فعبّر فيه بالإعطاء ؛ لأنه يترك عن قرب ، وينتقل إلى ما هو أعظم منه. وكذا ، ((٥) يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) ، لما فيه من تكرر الإعطاء والزيادة إلى أن يرضى كلّ الرضا ، وهو مفسر أيضا بالشفاعة ، وهى نظير الكوثر فى الانتقال بعد قضاء الحاجة منه. وكذا (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ)(٦) ، لتكرّر حدوث ذلك باعتبار الموجودات ، حتى يعطوا الجزية ، لأنها موقوفة على قبول منّا ، وإنما يعطونها عن كره.
__________________
(١) آل عمران : ٧٦
(٢) البقرة : ٢٦٩
(٣) الحجر : ٨٧
(٤) الكوثر : ١
(٥) الضحى : ٥
(٦) طه : ٥