فإن قلت : ما الحكمة فى تعبيره فى آية البقرة بالسراح (١) فى مكان الفراق هنا.
والجواب لاكتناف آية البقرة النهى عن مضارّة النساء وتحريم أخذ شىء منهن ما لم يكن منهن ما يسوّغ ذلك من ألّا يقيما حدود الله ، فلما اكتنفها ما ذكر وأتبع ذلك بالمنع عن عضلهنّ ، وتكرر أثناء ذلك ما يفهم الأمر بمجاملتهن والإحسان إليهن حالى الاتصال والانفصال لم يكن ليناسبها ـ قصد من هذا أن يعبّر بلفظ : (أَوْ فارِقُوهُنَّ) ؛ لأن لفظ الفراق أقرب إلى الإساءة منه إلى الإحسان ، فعوّل إلى ما يحصل منه المقصود مع تحسين العبارة ، وهو لفظ التسريح ؛ فقال تعالى (٢) : (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ؛ وليجرى مع ما تقدم من قوله تعالى (٣) : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ). وقيل هنا : بإحسان ، ليناسب به تعالى المذكور من قوله : " أو تسريح". وقد روعى فى هذه الآى كلّها مقصد التلطّف ، وتحسين الحال فى الصحبة والافتراق ؛ ولما لم يكن فى سورة الطلاق تعرّض لعضل ، ولا ذكر مضارة ـ لم يذكر ؛ وورد التعبير بلفظ : أو فارقوهنّ ، على الانفصال ، ووقع الاكتفاء فيما يراد [٢٤٢ ا] من المجاملة فى الحالين بقوله : معروف ؛ وبان افتراق القصتين فى السورتين ، وورود كلّ من العبارتين على ما يجب.
(فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)(٤) : اتفق العلماء على وجوب النفقة للمطلقة الحامل ، عملا بهذه الآية ، إذا (٥) كان الطلاق رجعيّا. وإن كان بائنا
__________________
(١) البقرة : ٢٢٩ : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وفيها (٢٣١) : فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف.
(٢) البقرة : ٢٣١
(٣) البقرة : ٢٢٩
(٤) الطلاق : ٦
(٥) والقرطبى : ١٨ ـ ١٦٧