بالإيمان به والدخول فى طاعته ، وعبّر عن الأمر بذلك بلفظ الفرار ، لينبّه على أن وراء الناس عقابا وعذابا أليما حقّه أن يفرّ عنه إن لم يفر منه طوعا يفر منه خوفا ؛ ونحن لم نفر منه لا طوعا ولا خوفا ؛ ولو علمنا ما تحت هذه الكلمة من التحذير والاستدعاء لم يهدأ روعنا ؛ ألا تراه كرّره للإبلاغ وهزّ النفس للتشمير (١) ، وتحكيم التحذير ، وإعادة الألفاظ بعينها فى هذه المعانى بقرينة شدة الصوت ، لكن الجاهل ضعيف الاستخراج ؛ فيا لها من مصيبة لو عقلها العاقل.
(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا)(٢) : هم كفار قريش وأصحابهم ممن تقدم من الكفار ، يعنى أن لهم نصيبا من العذاب.
(فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ)(٣) ؛ أى المغلوبون (٤) فى الكيد. ويعنى من تقدم الكلام عليهم (٥) وهم قريش ، فوضع الظاهر موضع المضمر.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى)(٦) : هذه مخاطبة الإنسان على الإطلاق ، يعنى بأى نعم ربك تشكّ ، وقد منّ عليك ، وجعل رحم أمّك سكنك ؛ والأرض مهادك ، والشمس سراجك ، والإسلام خلقتك ، ومحمد نبيّك ، والكعبة قبلتك ، والجنة منزلك ، والنار سجن أعدائك ، والملائكة خدامك ، والشيطان حبال عصيانك ، والعقل والفهم والانتباه خصالك ؛ فما لك أعرضت عنا وتركت الالتفات إلينا! أهكذا معاملتك معنا! بئس العبد ؛ لنعم الرب.
(فَما تُغْنِ النُّذُرُ)(٧) : بمعنى الاستبعاد والإنكار.
(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ)(٨) : لعلمك أن الإنذار لا ينفعهم ، وأمره بالإعراض عنهم
__________________
(١) التشمير : الجد.
(٢) الذاريات : ٥٩
(٣) الطور : ٤٢
(٤) والكشاف : ٢ ـ ٤١٤
(٥) فى ا : فوقها : فيهم.
(٦) النجم : ٥٥
(٧) القمر : ٥
(٨) القمر : ٦