إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) ، فكيف يؤمر بذبح من قد أخبر أنه سيولد له؟ ومن المعلوم أن الإخبار إنما يقع على مجهول العاقبة ؛ فتعيّن أنه إسماعيل. قال الشيخ رحمهالله : هذا إن كان صحّ الخبر قبل الأمر بالذبح.
فإن قلت : لم وصف المبشر به هنا بالحلم ، وفى الذاريات والحجر (١) بالعلم؟
فالجواب أنه وصفه هنا بالحلم لانقياده لحكم ربه ، واستسلامه له ؛ ووصفه فى غيرها بالعلم لكبره. وقيل : إن الحليم إسماعيل ، والعليم إسحاق. وعن محمد ابن كعب القرظى قال : كان مجتهد بنى إسرائيل إذا دعا قال : اللهم إبراهيم وإسماعيل وإسرائيل. فقال : يا رب ، ما لمجتهد بنى إسرائيل يدعو بهذا ، وأنا بين أظهرهم؟ قد أسمعتنى كلامك ، واصطفيتنى برسالتك. قال : يا موسى ، لم يحبّنى أحد حبّ إبراهيم قط ، ولا خيّر بين شىء قط وبينى إلا اختارنى. وأما إسماعيل فإنه جاد بنفسه ، وأما إسرائيل فإنه لم يأيس (٢) من روحى فى شدة نزلت به قط.
فإن قلت : لم كان الأمر بالذبح هنا ما دون اليقظة؟
فالجواب : لتعلم أنّ النبوءة اثنان : رسالة ، ورؤيا منام ؛ ولما كان إسماعيل أحبّ إليه من كل شىء لم يرد الله أن يواجه خليله بما فيه كراهية له ، فأراه فى المنام ؛ كأنه استحيى منه ، وهكذا عادته سبحانه مع أنبيائه وخيرته من خلقه ؛ ألا ترى رؤيا يوسف سجود إخوته وأبويه ، ورؤيا سيدنا ومولانا محمد صلىاللهعليهوسلم دخول المسجد الحرام ، وما سواهما ؛ للدلالة على تقوية صدقهم ؛ وإذا تظاهرت الحالتان على الصدق كان ذلك أقوى للدلالة من انفراد أحدهما.
__________________
(١) فى الذاريات آية (٢٨) : وبشروه بغلام عليم. وآية الحجر (٥٣) : إنا نبشرك بغلام عليم. وفى ا : الحجرات ـ تحريف.
(٢) يبأس