(ثمّ) حرف يقتضى ثلاثة أمور : التشريك فى الحكم والترتيب والمهلة ، وفى كل خلاف :
أما التشريك فزعم الكوفيّون والأخفش أنه قد يتخلّف بأن تقع زائدة ، فلا تكون عاطفة البتّة ، وخرّجوا على ذلك قراءة (١) : (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ). وأجيب بأن الجواب فيها مقدّر.
وأما الترتيب والمهلة فخالف قوم فى اقتضائها إياهما تمسّكا بقوله (٢) : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها ثم بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ). (٣) (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى). والاهتداء سابق على ذلك. (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ (٤)).
وأجيب عن الكلّ بأن ثم فيها لترتيب الأخبار لا لترتيب الحكم. قال ابن هشام (٥) : وغير هذا الجواب أنفع منه ، لأنه يصحح الترتيب فقط لا المهلة ، إذ لا تراخى بين إخبارهن (٦).
والجواب المصحح لهما ما قيل فى الأولى إن العطف على مقدّر ، أى من نفس واحدة أنشأها ، ثم جعل منها زوجها. وفى الثانية إن سوّاه عطف على الجملة الأولى لا الثانية. وفى الثالثة إن المراد ثم دام على الهداية.
__________________
(١) التوبة : ١٩
(٢) السجدة : ٨
(٣) طه : ٨٢
(٤) الأنعام : ١٥٣ ، ١٥٤
(٥) المغنى : ١ ـ ١٠٥
(٦) في المغنى : بين الإخبارين.