الألف والتشديد فى التعدى ، فكان كحرف من الفعل ، وكان الموضع الأول أولى بما هو الأصل ؛ ليعلم ما يقتضيه اللفظ. وأما ما عدا هذه السورة فأخر به لأنه قدم ما هو المستنكر وهو الذبح لغير الله ؛ وتقدم ما هو بالغرض أولى ؛ ولهذا جاز تقديم المفعول على الفاعل ، والحال على ذى الحال ، والظرف على العامل فيه ؛ إذا كان أكثر الغرض فى الإخبار ؛ وزاد فى هذه السورة : (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ، وفى السور الثلاث تضمينا ، لأن قوله : (غَفُورٌ رَحِيمٌ) يدل على أنه لا إثم عليه. وإنما ختم فى الأنعام بذكر الرب ؛ لأنه تكرر فيها مرات ، فكان لفظ الرب بها أليق.
قوله تعالى (١) : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها). وقال بعد ذلك (٢) : (فَلا تَعْتَدُوها) ؛ لأن الأولى وردت بعد نواه ، فناسب النهى عن قربانها ؛ والثانية بعد أوامر ، فناسب النهى عن تعدّيها وتجاوزها بأن يوقف عندها.
قوله تعالى (٣) : نزّل عليك الكتاب ، وقال (٤) : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) ؛ لأن الكتاب أنزل منجما ، فناسب الإتيان ينزل الدالة على التكرير ؛ بخلافهما فإنهما أنزلا دفعة واحدة.
قوله تعالى (٥) : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ). وفى الإسراء (٦) : (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) ؛ لأن الأولى خطاب للفقراء المقلين ، أى لا تقتلوهم من فقركم ، نحن نرزقكم ما يزول به [١٨ ا] إملاقكم ، ثم قال : وإياهم (٧). والثانية خطاب للأغنياء ؛ أى خشية فقر يحصل لكم بسببهم ، ولهذا حسن : نحن نرزقهم وإياكم.
__________________
(١) البقرة : ١٨٧
(٢). ٢٢٩ من السورة نفسها
(٣) آل عمران : ٣
(٤) آل عمران : ٣
(٥) الأنعام : ١٥١
(٦) الإسراء : ٣١
(٧) الإتقان : أى نرزقكم جميعا