والظاهر أنه مرة حكى لفظه فيها على وجهين.
قوله تعالى (١) : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) ؛ فجعل الذى مكان قوله فيما بعد (٢) : «ما» ، وزاد «من» لأن العلم فى الآية الأولى علم بالكمال الذى ليس وراءه علم ؛ لأن معناه بعد الذى جاءك من العلم بالله وصفاته ، فكان لفظ الذى أليق به من لفظ «ما» ، لأنه فى التعريف أبلغ وفى الوصف أقعد ؛ لأن «الذى» تعرّفه صلته ولا يتنكر قط ، ويتقدمه أسماء الإشارة ، نحو قوله (٣) : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ). (أَمَّنْ (٤) هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ) ، فيكتنفه بيانان : الإشارة والصلة ويلزمه الألف واللام ، ويثنى ويجمع ، وليس ك «ما» شىء من ذلك ؛ لأنه يتنكر مرة ويتعرّف أخرى ، ولا يقع وصفا لأسماء الإشارة ، ولا يدخله الألف واللام ، ولا يثنّى ولا يجمع.
وخص الثانى بما لأن المعنى من بعد ما جاءك من العلم بأن قبلة الله هى الكعبة ، وذلك قليل من كثير من العلم (٥). وزبد معه [١٧ ب] «من» التى هى لابتداء الغاية ؛ لأن تقديره من الوقت الذى جاءك العلم فيه بالكعبة ؛ لأن القبلة الأولى نسخت بهذه الآيات ، وليس الأول موقتا بوقت.
وقال فى سورة الرعد (٦) : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ). فعبّر بما ؛ ولم يزد من هنا لأن العلم هاهنا هو الحكم العرفى ؛ أى القرآن ، فكان بعضا من الأول ولم يزد من لأنه غير موقت.
وقريب من معنى القبلة ما فى آل عمران (٧) : (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) قوله تعالى (٨) : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ).
__________________
(١) البقرة : ١٢٠
(٢) فى البقرة أيضا ١٤٥ ، والرعد ٣٧
(٣) الملك : ٢٠
(٤) الملك : ٢١
(٥) فى ب : من يعلم.
(٦) الرعد : ٣٧
(٧) آل عمران : ٦١
(٨) البقرة : ١٣٦