أن شرف الصنعة إما لشرف موضوعها مثل الصياغة ؛ فإنها أشرف من الدباغة ؛ لأن موضوع الصياغة الذهب والفضة ، وهما أشرف من موضوع الدباغة الذى هو جلد الميتة. وإما بشرف غرضها ؛ مثل صناعة الطب ، فإنها أشرف من صناعة الكناسة ؛ لأن غرض الطب إفادة الصحة ، وغرض الكناسة تنظيف المستراح. وإما بشدة الحاجة إليها ؛ كالفقه ؛ فإن الحاجة إليه أشد من الحاجة إلى الطب ؛ إذ ما من واقعة فى الكون من أحد من الخلق إلا وهى مفتقرة إلى الفقه ؛ لأن به انتظام صلاح أحوال الدنيا والدين ، بخلاف الطب فإنه يحتاج إليه بعض الناس فى بعض الأوقات.
إذا عرف ذلك فصناعة التفسير قد حازت الشرف من الجهات الثلاثة ؛ أما من جهة الموضوع فلأن موضوعه كلام الله تعالى الذى هو ينبوع كل حكمة ، «معدن كل فضلة ، فيه؟؟؟ ما قبلكم ، خبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، لا يخلق على كثرة الرد ، ولا تنقضى عجائبه.
وأما من جهة الغرض فلأن الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقى ، والوصول إلى السعادة الحقيقية التى لا تفنى.
وأما من جهة شدة الحاجة فلأن كل كمال دينى أو دنيوى عاجلى أو آجلى مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية ، وهى متوقفة على العلم بكتاب الله.
والكلام هنا عريض تكفّل بجمعه أئمتنا رضى الله عنهم.
وإنما ذكرت فى هذا المجموع بعض ما يحتاج إليه بعد تقرير قاعدة ؛ وهى أن كل من وضع من البشر كتابا فإنما وضعه ليفهم بذاته من غير شرح ؛ وإنما احتيج إلى الشروح لأمور ثلاثة :
أحدها ـ كمال فضيلة كلام المصنف ؛ فإنه لقوته العلمية يجمع المعانى الدقيقة