دون كونها ألطافا؟
قيل (١) : الشّيء لا يجب (٢) من حيث كان فيه ثواب ، لأنّه لو كان كذلك ، لكانت النّوافل كلّها واجبة ، ولم يكن فرق بينها وبين الواجبات ، فلا بدّ من القول بما قلناه من أنّها إنّما وجبت لكونها ألطافا ، وإنّما قلنا بذلك لأنّ ما يقع عنده الواجب لولاه لم يقع ، يجب كوجوبه لا محالة ، وقد ورد القرآن أيضا منبّها على ما قلناه ، قال الله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)(٣) فبيّن أنّها إنّما وجبت من حيث كانت صارفة عن فعل القبيح ، وقال في تحريم الخمر : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ)(٤) فبيّن أنّ وجه قبحها كونها صادّة عن ذكر الله ، وموقعة للعداوة والبغضاء ، وذلك يبيّن صحّة ما قلناه.
فإذا صحّ ما قلناه ، حسن من الله تعالى أن يأمر الحسن أمرا مطلقا ، فإذا تغيّر وجه الحسن فيه إلى وجه القبح نهى عنه ، وذلك هو النّسخ الّذي قلناه.
وقد تعلّق من خالف في ذلك بأشياء (٥) :
منها : أن قالوا : إنّ ذلك يؤدّي إلى البداء.
ومنها : أنّه يؤدّي إلى كون الحسن قبيحا.
ومنها : أنّه يقتضي استحقاق الثّواب على ما يستحقّ به العقاب ، والوعيد على ما يستحقّ به الوعد.
ومنها : أنّه إذا أطلق الأمر دلّ على حسن المأمور به أبدا ، فلو نهى عنه لانتقضت دلالته على ذلك.
ومنها : أنّه إذا أطلق الأمر اقتضى حسن المأمور به أبدا ، لأنّه لو كان حسنا إلى
__________________
(١) قيل له.
(٢) يوجب.
(٣) العنكبوت : ٤٥.
(٤) المائدة : ٩١.
(٥) لاحظ أقوال المخالفين في المصادر الواردة في ذيل هامش رقم (١) صفحة ٥٠٧.