كنّا مقبّحين ، فإذا ثبت ذلك وجب الرّجوع في مشاركتنا له في ذلك إلى السّمع ، فإن دلّ الدّليل عليه حكم به ، وإلّا بقي على الأصل على ما بيّناه.
ويفارق أفعاله عليهالسلام في هذا الباب أقواله ، لأنّه بعث ليعرّفنا مصالحنا ، وتعريفه لنا ذلك يكون بالقول ، فلو لم نرجع إلى قوله لأدّى إلى خروجه من أن يكون رسولا ، وليس كذلك فعله.
ولأنّه إذا أمرنا بشيء فقد أراده منّا فيجب أن نفعله إن كان واجبا ، وأن نرغب فيه إن كان ندبا ، ولا يجب أن نفعل فعلا رأيناه يفعله لأنّ ذلك لا يدلّ على أنّه أراده منّا.
ويدلّ على ذلك أيضا : أنّ أفعاله تخصّه ولا تتعدّى إلى غيره إلّا بدليل وأقواله تتناول غيره ، وإنّما يعلم أنّه داخل فيها بدليل ، فعلم بذلك الفرق بين القول والفعل.
فإن قيل : إنّ هذا المذهب يوجب عليكم القول بأن تجوّزوا مخالفته في أفعاله الشّرعيّة (١) ، وتجويز ذلك يقتضي التّنفير عن قبول قوله ، فيجب الحكم بفساده.
قيل لهم : لا خلاف أنّ النّبي عليهالسلام لو نصّ لنا على أنّ لنا مخالفته في أفعاله الشرعيّة لجاز ولم يوجب ذلك التّنفير عن قبول قوله ، فكذلك إذا دلّ العقل على ما ذكرناه يجب القول بجوازه ولم يوجب ذلك التّنفير عن قبول قوله ، وكذلك لو خصّ بجميع أفعاله لم يوجب التّنفير عن قبول قوله.
وصحّة ما قلناه يبيّن فساد قول من قال إنّ أفعاله على الوجوب عقلا (٢).
وأمّا الّذي يدلّ على وجوب التّأسّي به في جميع أفعاله إلّا ما خصّ به من جهة السّمع :
فممّا لا خلاف فيه بين الأمّة في الرّجوع إلى أفعاله صلىاللهعليهوآلهوسلم في تعرّف الأحكام في الحوادث ، كما أنّه يرجع إلى أقواله عليهالسلام في مثل ذلك ، فإذا صحّ ذلك فكما أنّ أقواله حجّة يجب أن تكون أفعاله أيضا حجّة ، ولا خلاف في
__________________
(١) جميع أفعاله الشّرعيّة.
(٢) راجع التعليقة رقم (١) صفحة ٥٧٥