واعترض على ذلك من خالف بأن قال : ليس فيه بأنّه لا يجوز أن تبدّل الآية إلّا بالآية ، فالتّعلّق به لا يصحّ ، ولأنّه لا يدلّ على موضع الخلاف من نسخ حكم الآية بالسّنّة ، لأنّه إنّما ذكر أنّ الآية تبدّل بالآية ولم يذكر الحكم.
واستدلّوا : بقوله تعالى : (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي)(١) فبيّن أنّ تبديله لا يقع إلّا بالكتاب.
وقال من خالف في ذلك : إنّ قوله تعالى : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) يدلّ على أنّه لا تنسخ الآية إلّا بوحي من الله تعالى قرآنا كان أو غير قرآن ، وكذلك نقول لأنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا ينسخ القرآن من قبل نفسه على حال.
وأقوى ما استدلّوا به في هذا الباب قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها)(٢) ، واستدلّوا بهذه الآية من وجوه :
منها : ما ذكره أبو العبّاس بن سريج (٣) أنّه قال : لما قال تعالى : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) احتمل أن يراد به الكتاب ، واحتمل غيره ، فلمّا قال بعده : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٤) علم أنّه أراد بما تقدّم ما يختصّ هو بالقدرة عليه ، وهو القرآن المعجز ، فكأنّه قال : (نأت بخير منها أو مثلها) ممّا نختصّ بالقدرة عليه.
ومنها : أنّه تعالى قال : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) فأضاف ما نسخ به الآية إلى نفسه ، والسّنّة لا تضاف إليه تعالى في الحقيقة.
ومنها : أنّ الظّاهر في الاستعمال أنّه إذا قيل لأحد : «لا آخذ منك ثوبا إلّا أعطيك خيرا منه» أن يراد به من جنس الأوّل ، وكذلك قوله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) لما ذكر في الأوّل آية فيجب أن يكون هي المراد بقوله : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) فكأنّه
__________________
(١) يونس : ١٥.
(٢) البقرة : ١٠٦.
(٣) في الأصل والنسخة الثانية : أبو العبّاس بن شريح وهو تصحيف ، راجع هامش رقم (٣) صفحة ٤٦٨.
(٤) البقرة : ١٠٦.